فمن نقل حديثا من المستخرجات، وقال، أخرجه البخاري ومسلم، رغم عدم تطابق اللفظين، يحمل قوله على أنه قصد: أخرجا أصله، وليس لفظه، ورغم هذا الإعتذار، فهذا الصنيع غير جيد، لأنه يجب أن يبين الإختلاف بين الروايتين، ومن أبرز من وقع في هذا، البيهقي رحمه الله في كتابيه (معرفة السنن والآثار، والسنن الكبرى)، والبغوي رحمه الله في كتابه (شرح السنة)، وكذا وقع فيه بعض من صنف في الجمع بين الصحيحين، وفي هذا الصدد يقول الشيخ طارق بن عوض الله حفظه الله بأن:
أفضل كتب الجمع بين الصحيحين، هو كتاب عبد الحق الإشبيلي رحمه الله، وإن كان كتاب الحميدي رحمه الله أشهر، وقد التزم عبد الحق الإشبيلي بألفاظ الصحيحين، فلم يأت بزيادات من خارج الصحيحين، أما الحميدي، فقد لجأ إلى كتب المستخرجات، وانتقى منها روايات بألفاظ لم ترد في الصحيحين، وأدخلها في كتابه، (وهذا هو الخطأ الذي وقع في البيهقي والبغوي)، وقد اعتذر الحافظ رحمه الله عن الحميدي، وقال بأنه ميز بين رواية الصحيحين، وما زاد عليها من ألفاظ المستخرجات، فيقول على سبيل المثال: إلى منا انتهت رواية مسلم، ثم يورد الزيادة منفصلة.
هل المستخرجات كلها صحيحة؟
الغالب عليها الصحة، (وليست كلها صحيحة رغم أن أصولها صحيحة)، لأن زياداتها قد تأتي من طرق ضعيفة لأن جل هم المستخرج هو العلو بالسند، ولذا فإننا نجد أصحاب المستخرجات يخرجون أحيانا للضعفاء والمتهمين، فعلى سبيل المثال: خرج الإسماعيلي لإبراهيم بن الفضل المخزومي وهو ضعيف وخرج أبو نعيم لمحمد بن الحسن بن زبالة وقد قال فيه الحافظ: كذبوه،
وجدير بالذكر أن طريقة المتقدمين في التصنيف كانت الإستخراج على أحاديث شيوخهم، وهذا ما فسر به الشيخ سعد الحميد حفظه الله عدم إخراج مسلم لأي حديث في صحيحه من طريق شيخه البخاري وذكر أن هذا هو تعليل الدارقطني لصنيع مسلم.
وينبه الشيخ طارق عوض الله حفظه الله، إلى أنه لابد أن يصح السند من صاحب المستخرج إلى من التقى معه من رجال سند صاحب الكتاب الأصلي، فكلما كثر الرواة بين صاحب المستخرج وبين من اجتمع معه من رجال صاحب الكتاب الأصلي، افتقر السند إلى زيادة بحث، وكذا كلما بعد زمن المستخرج عن زمن من يستخرج عليه.
فإذا روى البخاري مثلا عن علي بن المديني، عن ابن عيينة، عن الزهري، حديثا، ورواه الإسماعيلي (المستخرج على البخاري)، نفس الحديث عن بعض شيوخه عن الحكم بن موسى عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري، فإننا نلاحظ أن الإلتقاء بين السندين حصل عند الزهري، فإن اشتمل حديث الإسماعيلي، على زيادة، ليست في الحديث الأصلي، فإن قبولها يتوقف على تصريح الوليد بينه وبين شيخه الأوزاعي، وبين شيخه وشيخ شيخه، لأنه يدلس تدليس التسوية، وعلى معرفة شيخ الإسماعيلي، لأنه لم يصرح بإسمه، وعلى توثيقه، وعلى صحة رواية الأوزاعي عن الزهري، لأنه، وإن كان ثقة، ليس من رجال الطبقة الأولى في الزهري، كمالك ومعمر وسفيان وشعيب بن أبي حمزة، وقد نبه إلى ذلك ابن معين بقوله: ليس بذاك عن الزهري، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت، في روايته عن الزهري شيء. اهـ، فاحتمال شذوذ رواية الأوزاعي عن الزهري، يجب أن يؤخذ في الإعتبار.
ومن هنا يتضح خطأ من وثق راو، لمجرد إخراج أصحاب المستخرجات له، لأنهم لم يشترطوا الرواية عن الثقات، كما اشترط الشيخين، فشرطهم أخف من شرط الشيخين، وجدير بالذكر أن الحافظ رحمه الله، قال أولا، بثقة من خرج لهم أصحاب المستخرجات، وذكر ذلك كفائدة من فوائد المستخرجات، ولكنه رجع عنها في نهاية الأمر.
وجدير بالذكر أن المستخرجين لم يقتصروا على الإستخراج على الصحيحين، فقط، وإنما استخرجوا على كتب أخرى، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: مستخرج أبي علي الطوسي رحمه الله على سنن الترمذي، ومستخرج أبي نعيم الأصبهاني رحمه الله على معرفة علوم الحديث، لأبي عبد الله الحاكم رحمه الله.
ـ[تلميذة الأصول]ــــــــ[08 - 02 - 08, 02:47 ص]ـ
جزاك الله خيراً،،،يرفع للفائدة