وقال في الفتح (9: 354): في الحديث نفسه: وما المانع أن يكون سمع هذا منه فقط؟ وسنذكر كلامه مفصلا واستدراكنا عليه، فيما يأتي في هذا البحث إن شاء الله.
وقد جمعت ما استطعت مما صرح فيه الحسن بالسماع من أبي هريرة، ولم أستقص فما ذلك في مقدوري. ولكن فيما سأذكر مقنع لمن شاء أن يقنع، والله ولي التوفيق:
1) حديث الباب هذا الذي نشرحه (7138) - رواه ابن سعد في الطبقات (7/ 1/115): أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا ربيعة بن كلثوم قال: سمعت رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد، يوم الجمعة يوم لثق وطين ومطر؟ فأبي عليه الحسن إلا الغسل فلما أبي عليه قال الحسن: حدثنا أبو هريرة قال: عهد إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاثاً: الغسل يوم الجمعة، والوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر).
وهذا هو الحديث الذي أشار إليه ابن أبي حاتم في المراسيل، فيما نقلنا عنه آنفاً، أنه سأل عنه أباه؟ فقال أبوه أبو حاتم: (لم يعمل ربيعة بن كلثوم شيئاً! لم يسمع الحسن من أبي هريرة شيئاً!). وكيف كان هذا؟! لا أدري! إنما هو نفي مطلق، وتحكم ما بعده تحكم!
فربيعة بن كلثوم بن جبر: ثقة، وثقة ابن معين والعجلي وغيرهما، وقال أحمد بن حنبل: صالح، وللنسائي فيه قولان مقاربان: (ليس به بأس) و (ليس بالقوي). وترجمه البخاري في الكبير (2/ 1/226) فلم يذكر فيه جرحاً، وابن أبي حاتم (1/ 2/477 - 478) وروي توثيقه عن ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات (ص460 - 461)، وأخرج له مسلم في صحيحه.
فهذا إسناد صحيح حجة في تصريح الحسن بسماعه من أبي هريرة، بل إن فيه قصة تدل علي تثبت راويه، إذ شهد سؤال الرجل للحسن، وجواب الحسن إياه.
وقد ذكر البخاري في الكبير (2/ 2/17) رواية ربيعة هذه، بإشارته الدقيقة كعادته، حين أشار إلي روايات هذا الحديث، والخلاف بين رواته في ذكر (غسل الجمعة) أو (صلاة الضحي)، وذلك في ترجمة سليمان بن أبي سليمان) فقال: (وقال موسي: حدثنا ربيعة عن الحسن: نا أبو هريرة - نحوه، وقال: الغسل يوم الجمعة).
فموسي: هو ابن إسماعيل التبوذكي، شيخ البخاري. وربيعة: هو ابن كلثوم.
وهذه الرواية عند البخاري، تؤيد ما ذهبنا إليه من صحة سماع الحسن من أبي هريرة. إذ من عادة البخاري أن يشير إلي العلة في الإسناد أو في الراوي، إذا كان يري علة. أما وقد ساق هذا الإسناد، وفيه تصريح الحسن بالسماع من أبي هريرة، ولم يعقب عليه -: فإنه يدل علي صحة سماعه منه عنده.
يتبع إن شاء الله تعالي
ـ[أبو نايف]ــــــــ[28 - 07 - 02, 07:16 ص]ـ
2) وروي ابن سعد أيضاً: (حدثنا مسلم بن أبراهيم قال حدثنا أبو هلال محمد بن سليم قال: سمعت الحسن يقول: كان موسي نبي الله لا يغتسل إلا مستتراً، قال: فقال له عبد الله بن بريدة: يا أبا سعيد، ممن سمعت هذا؟ قال: سمعته من أبي هريرة).
وهذا إسناد صحيح. أبو هلال الراسبي محمد بن سليم: سبق توثيقه (547)، ونقلنا هناك كلمة لابن أبي حاتم، وهي في ترجمته في الجرح والتعديل (3/ 2/273 - 274) قال: (أدخله البخاري في كتاب الضعفاء، فسمعت أبي يقول: يحول من كتاب الضعفاء) وكلمة البخاري في الضعفاء (ص31) هي كلمته في الكبير (1/ 1/105) قال: (كان يحيي بن سعيد لا يروي عنه، وابن مهدي يروي عنه). وعندي أن من تكلم فيه إنما تكلم في حفظه في روايته عن قتادة خاصة، فقد روي ابن أبي حاتم عن أبي بكر الأثرم، قال: (سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن أبي هلال، يعني الراسبي؟ قال: قد احتمل حديثه، إلا أنه يخالف في حديث قتادة، وهو مضطرب الحديث عن قتادة).
فهذا إسناد يصلح للاحتجاج به علي سماع الحسن من أبي هريرة، لأن راويه أبا هلال الراسبي لم يروه عن قتادة الذي اضطربت روايته عنه، بل رواه عن الحسن، وسياق الرواية يدل علي أنه حفظ القصة فذكرها مفصلة، وشهد عبد الله بن بريدة وهو يسأل الحسن: (ممن سمعت هذا)؟ وسمع جوابه: (سمعته من أبي هريرة)، ومثل هذا التفصيل يدل علي توثيق الراوي مما سمع وحفظه إياه.
3) وروي ابن سعد أيضاً: (أخبرنا معن بن عيسي قال حدثنا محمد بن عمرو قال: سمعت الحسن يقول: سمعت أبا هريرة يقول: الوضوء مما غيرت النار. قال: فقال الحسن: لا أدعه أبداً).
فهذا إسناد جيد يصلح للمتابعات والشواهد علي الأقل، لأن راويه (محمد بن عمرو): هو الأنصاري الواقفي أبو سهل، ضعفه يحيي القطان وغيره، ولكن ترجمه البخاري في الكبير (1/ 1/194) فلم يذكر فيه جرحاً، ولم يذكره هو ولا النسائي في الضعفاء، واضطرب فيه ابن حبان، فذكره في الثقات ثم أعاده في الضعفاء، كما في التهذيب، بل قد جزم ابن حزم في المحلي بتوثيقه، فروي (4: 256) حديثاً آخر من طريقه، ثم قال: (أبو سهل محمد بن عمرو الأنصاري: ثقة، روي عنه ابن مهدي ووكيع ومعمر وعبد الله بن المبارك وغيرهم).
يتبع إن شاء الله تعالي
¥