تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد طرحت هذا الموضوع العلمي في رسالة صغيرة وعالجته بأسلوب موضوعي مجرد كي يسهل على القارئ تركيزه عليه، وينال متعة القراءة وحظ الفهم، وفي الختام لا يسعني إلا الابتهال إلى الله تعالى أن يتقبل هذا الجهد المتواضع في خدمة علوم الحديث.

تمهيد

يعتبر الإمام أبو عمرو بن الصلاح ـ رحمه الله ـ من أبرز فقهاء الشافعية في القرن السابع الهجري، ومن العلماء الراسخين في علوم الحديث، وقد أهلته إمامته في هذا الميدان لأن يصير رمزا يعيش في ذاكرة الأمة على مر العصور وكرا لدهور، واعترافا له على ما قدمه لهذه الأمة من خدمة علمية عظيمة للسنة النبوية الشريفة، بقيت إلى يومنا هذا نبعا عذبا ينهل منه المبتدئ من طلبة العلوم الشرعية، كما يرجع إليه الباحث المتمرس، فترتوي منه عقولهم المتعطشة إلى معرفة قواعد هذا العلم الشريف.

وعلى الرغم من أن مشاركة ابن الصلاح وإسهامه العلمي قد شمل جوانب كثيرة من علوم الشريعة ـ كالفقه والأصول والتفسير (1) كما تدل على ذلك مؤلفاته، إلا أن نجمه قد سطع بشكل خاص في علوم الحديث التي اقترن اسمه بها، بحيث صار ما إن تذكر مبادئ هذا الفن الشريف حتى يذكر معها كتاب هذا الإمام الجهبذ المعروف بمقدمة ابن الصلاح.

ويعد هذا الكتاب من أهم الكتب في علوم الحديث، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، لأنه جاء تتويجا لكل الجهود التي سبقته، كما جاء تجديدا لحيويتها ونضارتها، نظرا لأسلوبه المبتكر في تناول مباحث ومبادئ هذا العلم وفق مقتضيات عصره، حيث نجده جمع المصطلحات الحديثية التي كانت متداولة بين المحدثين النقاد، ووضع لها تعاريف محددة، معتمدا في ذلك على فن المنطق، فجاءت تلك التعاريف جامعة مانعة وموجزة واضحة.

وبهذا العمل يكون ابن الصلاح قد ذلل ما كان صعبا، ومهد الطريق أمام المبتدئين لاستيعاب علم مصطلح الحديث وفهمه، بعد أن كان عسير التناول، لا يدرك مراميه، ولا يستفيد من المصنفات فيه إلا المتمكنون، وأصبح كتابه بذلك مدخلا لمعرفة مبادئ هذا الفن، ومقدمة لكتب الأحاديث بما ضمنه من تعاريف مركزة للمصطلحات الحديثة التي يصادفها طالب الحديث في تلك الكتب بمقدمة ابن الصلاح. ونظرا لأهمية هذا الكتاب، فقد حظي بقبول الأئمة الذين جاؤوا من بعد، وإقبالهم عليه، فتسابقوا إلى نيل شرف خدمته، وسعوا إلى شرحه وإيضاح مكنونه، والتعليق على مسائله، حتى صار أصلا لكثير من المصنفات في علوم الحديث، وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر.

" اجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر" (2)

ولم يكن ابن الصلاح مجرد جامع لآراء من سبقه من الأئمة، بل إن المطلع على كتابات هذا الإمام ـ في مقدمته وغيرها ـ يجد له اجتهادات وآراء مستقلة، وإضافات وانتقادات (3) شأنه في ذلك شأن كل مبدع ومبتكر، وهو إن خالف في بعض تلك الآراء غيره من أهل العلم، فذلك أمر طبيعي، به يكتمل أي علم.

وقد أثارت بعض آراء هذا الإمام اهتمام اللاحقين، وتعددت أساليبهم في الاعتراض عليها ولعل أبرز هذه الآراء ما صرح به في مقدمته حول مسألة التصحيح، حيث ادعى انعدام إمكان تصحيح الأحاديث وتحسينها من طرف التأخرين، فقد قال رحمه الله في الفائدة الثانية من النوع الأول وهو معرفة الصحيح من الحديث ما يلي.

نص ابن الصلاح في تصحيح الأحاديث وتحسينها

" إذا وجدنا فيما نروي من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصا على صحته في شئ من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة، فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته، فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان، فآل الأمر إذاً في معرفة الصحيح والحسن إلى الإعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف، وصار معظم المقصود بما يتداول من أسانيد خارجا من ذلك إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة ـزادها الله شرفا ـ آمين (4).

ورغم أن كلام ابن الصلاح مقصود به مصنفات خاصة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير