تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فابن الصلاح مصيب في رأيه وادعائه، لأنه ليس بوسع المتأخرين تصحيح الأحاديث التي تروى في أجزاء الحديث والمشيخات وغيرهما بالأسانيد الطويلة الممتدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بمجرد اعتبار تلك الأسانيد التي لا يكاد يخلو الجزء الذي يمر بالمرحلة الثانية منها من خلل، نظرا لتساهل محدثي مرحلة ما بعد الرواية في تطبيق قواعد الجرح والتعديل الصارمة على رجال تلك الأسانيد، تأثرا منهم بظروف هذه المرحلة، والمستجدات التي حدثت فيها.

فليس بوسع المتأخرين إذن ـ نظرا لهذه الحيثية ـ تصحيح الأحاديث الموجودة في الأجزاء والمسيخات وغيرها إلا إذا ثبت تصحيحها أو تحسينها عن إمام من أئمة النقد في مرحلة الرواية أو إذا اعتمدوا على إسناد المرحلة الأولى وحده.

وأما الأحاديث التي ت ضمنتها بطون الدواوين المشهورة في مرحلة الرواية والتي لم يسبق تصحيحها ولا تضعيفها من قبل الناقدين المتقدمين، فإن ابن الصلاح لم يتعرض لها هنا كما هو الظاهر من سياق نصوصه، حيث إن طبيعة الأدلة والبراهين التي ساقها لتدعيم دعواه، وتخصيصه الأجزاء بالذكر في مستهل كلامه رغم شهرة دواوين السنة وكثرة تدوالها بينهم، كل ذلك دليل على أنه لم يقصد بقوله السابق إلا الأجزاء والمشيخات ونحوها من المؤلفات التي اشتهرت في عصره دون سواها من السنن والمسانيد وغيرها.

ومما يدعمه ما ذكره في مبحث " الحسن " بعد ضبطه نوعية الحديث الضعيف الذي يرتقي إلى الحسن بوروده من غير وجه ـ من قوله: " وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث " (16) وكذا قوله في مبحث " الشاذ ": إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه: فإن كان ما ينفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط، كان ما انفرد به شاذا مردودا، فإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، لينظر في هذا الراوي المنفرد: فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به، إلى أن قال ابن الصلاح: فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده: استحسنا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف " (17).

فهذه بعض نصوص ابن الصلاح التي تؤيد أنه ـ رحمه الله تعالى ـ لم يقصد بكلامه إطلاق المنع في جميع أنواع الحديث ـ كما بيناه آنفا ـ حيث إنه أقر هنا ـ بصريح كلامه ـ بإمكانية تصحيح الأحاديث وتحسينها وتضعيفها من طرف المتأخرين، من خلال النظر والبحث في أسانيدها المشكلة برواة عصر الرواية، إذا كانت منصوصة وثابتة في الكتب المصادر المعتمدة، ولا شك أن هذه النصوص وغيرها تصبح لغوا وعديمة المعنى، لو كان قصد ابن الصلاح هو إطلاق المنع على جميع الأحاديث.

يضاف إلى هذا أن الأحاديث والآثار حين استقرت في ثنايا أمهات الكتب التي تم نقلها عن مؤلفيها جيلا عن جيل وفق الشروط التي اخترعت بغية توفير الضمانات الكافية أثناء النقل، لئلا يقع فيها تصحيف أو تزوير أو انتحال، وأصبحت تلك الكتب صالحة للرجوع إليها والاعتماد عليها في تلقي الآثار والأقوال .. كل ذلك يجعل عملية تصحيح تلك الأحاديث أو تضعيفها ممكنا جدا، ولا يحتاج إلا إلى القدرة العلمية التي تؤهل صاحبها للنظر في أسانيد تلك الأحاديث التي يرويها المؤلفون في عصر الرواية، ولم يعد لاعتبار السند الذي تنقل به تلك الكتب دور ولا أثر يذكر.

وبما أن قوله: " ما من إسناد من ذلك إلا ونجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان لا يمكن حمله إلا على سلسلة الأسانيد التي تتداول في مرحلة ما بعد الرواية، تحقق أن الإمام ابن الصلاح لم يقصد بمنع التصحيح إلا الأحاديث التي تروى في "الأجزاء" و "المشيخات" ونحوها بأسانيد طويلة تمر عبر المرحلتين جميعا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير