تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على أن الأمر إذا لم يكن كما ذكرنا سابقا فلا يخلو قوله: "فآل الأمر إذاً في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف " من تناقض صريح، كما بينه الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ (18)، حيث إنه لا فرق بين أحكامهم وآرائهم، وبين أحاديثهم التي أوردوها في كتبهم في الاعتماد عليها، إن كانت الكتب معتمدة مشهورة ومنقولة جيلا عن جيل بأسانيد لا تكاد تتوفر فيها شروط الصحة كما حررنا سابقا.

فإن كان الاعتماد عليها صالحا لقبول أحكامهم دون اعتبار سندها صار صالحا أيضا لأخد أحاديثهم، كي ينظر ويبحث في صحتها وضعفها، فلا أثر إذن لاعتبار أسانيد المصنفات، بل يكفي اعتبار ثبوتها وصحة نسبتها وسلامتها من التحريف والتصحيف والتزوير فحسب.

مواقف المعارضين له

فابن الصلاح ـ رحمه الله ـ مصيب في دعواه، دقيق في تعبيره، وقوي في براهينه، لكن العلماء اللاحقين خالفوه في ذلك، بل انتقدوه، وما ذلك إلا لكونهم حملوا كلامه على محمل واسع (19)، وأولوه على أن المتأخرين ليسوا بأهل لتصحيح الأحاديث ونقدها مطلقة، دون تقييدها بالأجزاء وغيرها، حتى أن فيهم من راح يربط رأي ابن الصلاح هذا بمسألة الاجتهاد الذي أغلق بابه تعسفا، وهذه أقوال بعض من هؤلاء:

الإمام النووي ورأيه

يقول الإمام النووي ـ رحمه الله ـ: "من رأى في هذه الأزمان حديثا صحيح الإسناد في كتاب أو جزء لم ينص على صحته حافظ معتمد: قال الشيخ ـ يعني ابن الصلاح ـ لا يحكم بصحته لضعف أهل هذه الأزمان، والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته " (20).

الحافظ العراقي ورأيه

يقول الحافظ العراقي ـ رحمه الله ـ: "وما رجحه النووي هو الذي عليه عمل أهل الحديث، فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحا (21).

الحافظ ابن حجر ورأيه

يقول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: " معناه أن الاعتماد على ما نص السابقون من التصحيح والتحسين يلزم منه تصحيح ما ليس بصحيح، لأن كثيرا من الأحاديث التي صححها المتقدمون اطلع غيرهم من الأئمة فيها على علل تحطها عن رتبة الصحيح، ولا سيما من كان لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن كابن خزيمة وابن حيان، وللحاذق الناقد بعدهما الترجيح بين كلاميهما بميزان العدل، والعمل بما يقتضيه الإنصاف، ويعود الحال إلى النظر والتفتيش الذي يحاول المصنف سد بابه.

" وكلامه ـ يعني ابن الصلاح ـ يقتضي الحكم بصحة ما نقل من الأئمة المتقدمين فيما حكموا بصحته في كتبهم المتعمدة المشهورة، والطريق التي وصل بها إلينا كلامهم على الحديث بالصحة أو غيرها، هي الطريق ذاتها التي وصلت بها إلينا أحاديثهم، فإن أفاد الإسناد صحة المقالة عنهم، فليفد أيضا الصحة بأنهم حدثوا بذلك الحديث، ويبقى النظر منصبا على الرجال الذين فوقهم، وأكثرهم رجال الصحيح" (22).

ثم رد الحافظ ابن حجر استدلال ابن الصلاح على دعواه فقال: " ما استدل به على تعذر التصحيح في هذه الأعصار المتأخرة بما ذكره من كون الأسانيد ما منها إلا وفيه من لم يبلغ درجة الضبط والحفظ والإتقان، ليس بدليل ينهض لصحة ما ادعاه من التعذر، لأن الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه كسنن النسائي مثلا، لا يحتاج في صحة نسبته إلى النسائي إلى اعتبار حال رجال الإسناد منا إلى مصنفه" (23).

ثم قال:" وكأن المصنف ـ يعني ابن الصلاح ـ إنما اختار ما اختاره من ذلك بطريق نظر ي، وهو أن المستدرك للحاكم كتاب كبير جدا يصفو له منه صحيح كثير زائد على ما في الصحيحين على ما ذكر المصنف ـ يعني ابن الصلاح ـ بعد، وهو مع حرصه على جمع الصحيح الزائد على الصحيحين واسع الحفظ،كثير الاطلاع غزير الرواية، فيبعد كل البعد أن يوجد حديث بشرط الصحة لم يمزجه في مستدركه".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير