قلت: كلا، وفي الإسناد، دون الانقطاع.
الأول: أن أبا إسحاق السبيعي كان قد اختلط، وزهير بن معاوية سمع منه [لعلها بعد] الاختلاط، كما قال ابن معين وأحمد والترمذي.
الثانية: أن أبا إسحاق مدلس وقد عنعنه. فلو صرح أبو عبيدة بالسماع من أبيه في ذلك الخبر لم ينفعه، لكونه ما سلم من الخدش. والله أعلم. ثم إني – جد – متعجب من العيني رحمه الله تعالى، كيف طابت نفسه باعتبار أن هذا الذي رواه الحاكم دليل على السماع، مع كونه من العالمين – قطعاً - بكثرة أوهام الحاكم في المستدرك، والذهبي يتبعه في كثير من هذا الوهم؟!! وَهَذَا ما حدا بي – قديماً – إلى تتبع كل ما وهم فيهِ الحاكم وتبعه عليهِ الذهبي، وأظهرت وجه الصواب فيهِ، وسميته: ((إتحاف الناقم بوهم الذهبي والحاكم، قطعت فيهِ شوطاً لا بأس بهِ، وله قصة ذكرتها في ((مقدمته))، فلله الحمد.
الوجه الثالث: وهوَ أعجب الثلاثة الوجوه على الإطلاق. وأكثرها طرافة. فقد زعم العيني رحمه الله أن الترمذي ممن يصححون سماع أبي عبيدة من أبيه اعتماداً على تحسينه لكل الأحاديث التي أخرجها لهُ: ((إذ من شرط الحديث الحسن أن يكون اسناده متصلاً عند المحدثين.
قلت: قد أخرج الترمذي عقبه، رقم (17) في ((الاستنجاء بحجرين)). وقال: ((وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه)).
رقم (179) كتاب الصلاة باب ((ما جاء في الرجل تفوته الصلوات يأيتهن يبدأ)). وقال: ((حديث عبد الله [يعني ابن مسعود] ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله)).
رقم (366) كتاب الصلاة باب: ((ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين)) وقال: ((هذا حديث حسن، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه)).
رقم (622) كتاب الزكاة، باب: ((ما جاء في زكاة البقر)) وقال: ((أبو عبيدة بن عبد الله لم يسمع من عبد الله)).
رقم (1061) كتاب الجنائز باب: ((ما جاء في ثواب من قدم ولدا. ((وقال: ((هذا حديث غريب، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه)).
رقم (1714) كتاب الجهاد، باب: ((ما جاء في المشورة)). قال: ((وهذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه)). ثم أخرجه الترمذي (3084) في كتاب ((تفسير القرآن)) في ((سورة الأنفال)).
رقم (3011/ 29) كتاب ((تفسير القرآن – آل عمران)). وقال: ((هذا حديث حسن)).
قلت: فظهر من كلام الترمذي على هذه الأحاديث أنه لم يقل: ((حديث حسن)) ويسكت، بل يعقبه بأن: ((أبا عبيدة لم يسمع من أبيه)): فأين محل قول العيني: ((ومن شرط الحديث الحسن أن يكون إسناده متصلاً .. ))؟!
ثمَّ إن الترمذي قالَ: ((حديث حسن، فلا يمكن أن يحسن الحديث ثمَّ يردفه بذكر الانقطاع في سنده، إلا أن قدْ قصد أنه ((حسن لغيره)) لمجيئه من طرق أخرى بخلاف المنقطعة، أو يكون له شواهد.
فإن قلت: قد قال الترمذي في الحديث (179): ((ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه)) فهذا يدل على أن الإسناد المنقطع ليس به بأس.
قلت: الجواب من وجهين:
الأول: أن يُحمل كلام الترمذي على أنه لا بأس به في الشواهد والمتابعات، وإلا فالمنقطع عند جمهور المحدثين قسم من الحديث الضعيف.
الثاني: أن هذه العبارة يستخدمها كثير من المحدثين، فيقولون: ((إسناده صحيح لولا الانقطاع بين مكحول وأبي هريرة)) قال ذلك البيهقي في حديث: ((صلوا خلف كل بر وفاجر)) – فتخرج كلمة الترمذي هذا المخرج.
فإن قلت: قد قال في الحديث (3011/ 2): ((هذا حديث حسن)) فلم يذكر الانقطاع.
قلت: قد ذكر الانقطاع في مواضع كثيرة، والأخذ بالمفسر الزائد كما هو معروف. وبالجملة: فقد أطلت في هذا البحث، رجاء رفع الشبهة، وحسم مادة الجدل، وظهر منه أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح من أقوال المحققين، أما البدر العيني رحمه الله تعالى، فما تعلق بشيء له طائل والله أعلم والله المستعان. أ. هـ.
وفي انتظار ما يجد في هذا البحث الرائق.
وجزاكم الله خيراً وكتبه أبو محمد الحويني
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[23 - 01 - 06, 01:16 م]ـ
أخي (الحويني) ..
بارك الله فيك.
ولعلك - لو دققت - تعلم أنه لم يُثبت أحدٌ - أعني: في هذا النقاش - سماعَ أبي عبيدة من أبيه، إلا ما نُقل عن العيني، وهو مردود.
فالمسألة ليست في ثبوت السماع، فليُنتبه، والله أعلم.
ـ[أبو معاذ الحسن]ــــــــ[23 - 01 - 06, 01:22 م]ـ
والشيخ السعد يرجح اتصال هذه الرواية
كما في الشريط الأول لشرحه على كتاب آداب المشي الى الصلاة
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[23 - 01 - 06, 01:28 م]ـ
والشيخ السعد يرجح اتصال هذه الرواية
كما في الشريط الأول لشرحه على كتاب آداب المشي الى الصلاة
أخي (أبا دانية) ..
لعلك تدقق، فالشيخ لم يحكم باتصالها، بل باستقامتها وقبولها، مع إقراره بانقطاعها.
وهنا الشريط الأول مفرَّغًا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?threadid=15372
وجزاك الله خيرًا.
¥