تدور هذه الألفاظ الثلاثة على ألسنة المحدثين، والمشتغلين بهذا الفن، والمتصلين به.
ـ ومنهم من يعتبرها بمعنى واحد: وأنها جميعا ما أضيف إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة.
ـ وقيل: الحديث: ما جاء عن النبي "صلى الله عليه وسلم" خاصة , والخبر: ما جاء عن غيره , والأثر: ما روي عن صحابي أو تابعي.
ـ وقيل: بين الحديث والخبر عموم وخصوص مطلق .. فكل حديث خبر، وليس كل خبر حديث.
ولعل خير ما يقال في هذا الشأن: إن الحديث إذا أطلق هكذا انصرف إلى ما أثر عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" خاصة، وأن الخبر والأثر ينصرفان إلى هذا المعنى بالقرينة المميزة مع صحة إطلاقها على غير الحديث من الأخبار والمرويات عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم.
ومعلوم أن السنة هي فعل النبي "صلى الله عليه وسلم" أو قوله أو إقراره.
الحديث القدسي:
أطال أهل الفن القول في تعريف الحديث القدسي، والفرق بينه وبين القران والحديث النبوي , وخلاصة ما ذكروه في ذلك، وأولاه بالصواب إن شاء الله:
أن الحديث القدسي إلهام من الله تبارك وتعالى لنبيه في اليقظة أو في النوم صورا من المعاني والمقاصد، يشعر النبي"صلى الله عليه وسلم" أن الله يأمره بتصويرها لعباده، فيصورها لهم بعبارة من لفظه هو "صلى الله عليه وسلم" على أنه يرويها عن ربه عز وجل.
ومثاله: حديث أبي ذر الغفاري المطول الذي رواه النووي في أربعينه، وهو الرابع والعشرون منها:
(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته محرما بينكم، فلا تظالموا) الحديث.
وهو بهذا التعريف غير معجز، ولم يوح به إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" بواسطة جبريل عليه السلام، وليست ألفاظه من عند الله بداهة.
أما القرآن الكريم: فترتسم معانيه وألفاظه في نفس رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بإلقاء الملك، وينتهي الوحي وقد وعى النبي "صلى الله عليه وسلم" ما ألقي إليه بلفظه ومعناه، ويبلغه الناس. فيكون معجزا، لأن لفظه وتركيبه من عند الله.
وأما الحديث النبوي: فهو تعبير عن الحقائق والمعاني والأفكار التي تفيض بها نفس النبي "صلى الله عليه وسلم" بلفظه هو عليه الصلاة والسلام .. وهو صدق وحق لأنه "صلى الله عليه وسلم" لا ينطق عن الهوى أبدا.
قالوا: ورواية الحديث القدسي صيغتان:
إحداها: أن يقول: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فيما يرويه عن ربه , وهى عبارة السلف.
وثانيتها: أن يقول: قال الله تعالى فيما رواه عنه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" .. والمعنى واحد.
ولا شك أن الأولى أفضل لأنها لا توهم التشبيه بالقران الكريم.
بين المتن والإسناد:
عرفنا في الفصل السابق كيف أن أئمة هذا الفن - جزاهم الله خيرا - بذلوا منتهى الجهد في تحري أحوال الرواة وشئونهم، وأن هذا كان مدار ترجيحهم لصدق الحديث وقوته أو ضعفه.
سؤال
ويقول بعض الباحثين: (إنه كان يجب أن تبذل العناية كذلك لتمحيص المتن، والحكم على قوة الأحاديث وضعفها بما يسفر عنه التمحيص. فقد يأتي بعض المتون وفيه مالا يتفق مع نتائج البحث العلمي , ففي الوقت الذي تصرف فيه الهمة إلى الكشف عن أحوال الرجال، وتحري شئون الرواة، يجب كذلك أن نعتني بتطبيق متن الحديث على حقائق البحث العلمي، والحكم بعد ذلك على الحديث بالميزانين معا لا بميزان واحد).
الجواب
وهذا قول له بعض المبررات، وفيه كثير من الوجاهة. ويجب أن يكون ذلك من عمل هذا الجيل الممحص النقاد الذي ارتقت فيه وسائل النقد العلمي إلى حد كبير.
ولكن لا يجب أن تفوتنا مع ذلك هذه الملاحظات:
1 - إن اتهام السلف رضوان الله عليهم بإهمال النظر في المتون جملة غير صحيح، فكثيرا ما كانوا يعنون بهذه النظرة، ويردون بعض المرويات لهذا السبب، ويتخذون من عدم انطباق المتن على قواعد الشرع الجلية دليلا على ضعف إسناده، وعدم نسبته إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، ووهم راويه , كما رد ابن عباس حديث أبى هريرة رضى الله عنه: (من حمل جنازة فليتوضأ).
وعلل هذا الرد بقوله: (لا يلزمنا الوضوء في حمل عيدان يابسة) , فروح النظر في المتون، والاستدلال بهاعلى درجة الحديث كانت موجودة إذن.
¥