ـ فلم تزل كتب النبي "صلى الله عليه وسلم" وآحاد رسله يعمل بها، ويلزمهم النبي "صلى الله عليه وسلم" العمل بذلك.
ـ واستمر على ذلك الخلفاء الراشدون فمن بعدهم من السلف والخلف على امتثال خبر الواحد إذا أخبرهم بسنة , وقضائهم به، ورجوعهم إليه في القضاء والفتيا، ونقضهم به ما حكموا على خلافه، وطلبهم خبر الواحد عند عدم الحجة ممن هو عنده، واحتجاجهم بذلك على من خالفهم، وانقياد المخالف لذلك , وهذا كله معروف، لاشك في شيء منه. والعقل لا يحيل العمل بخبر الواحد , وقد جاء الشرع بوجوب العمل به. فوجب المصير إليه.
ـ وأما من قال: يوجب العلم: فهو مكابر للحس. وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب وغير ذلك متطرق إليه؟!!
ـ ونقل في الفتح عن ابن القيم ما ملخصه:
(السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن توافقه من كل وجه فيكون من توارد الأدلة.
ثانيها: أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن.
ثالثها: أن تكون دالة على حكم سكت عنه القرآن. وهذا الثالث يكون حكما مبتدأ من النبي "صلى الله عليه وسلم" فتجب طاعته فيه).
ولو كان النبي "صلى الله عليه وسلم" لا يطاع إلا فيما وافق القرآن لم تكن له طاعة خاصة. وقد قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (النساء:80).
وقد تناقض من قال: إنه لا يقبل الحكم الزائد على القران إلا إن كان متواترا أو مشهورا، فقد قالوا بتحريم المرأة على عمتها وخالتها، وتحريم ما تحرم من النسب بالرضاعة، وخيار الشرط والشفعة والرهن في الحضر، وميراث الجدة، وتخيير الأمة إذا أعتقت، ومنع الحائض من الصوم والصلاة، ووجوب إحداد المعتدة عن الوفاة، وتجويز الوضوء بنبيذ التمر، وإيجاب الوتر، وأن أقل الصداق عشرة دراهم، وتوريث بنت الابن السدس مع البنت، واستبراء المسبية بحيضة، ولا يقاد الوالد بالولد، وأخذ الجزية من المجوس، وقطع رجل السارق في الثانية، وترك القصاص مع الجرح قبل الاندمال، والنهي عن بيع الكالئ بالكالئ، وغيرها مما يطول شرحه.
وهذه الأحاديث كلها آحاد، وبعضها ثابت، وبعضها غير ثابت، ولكنهم قسموها إلى ثلاثة أقسام , ولهم في ذلك تفاصيل يطول شرحها، ومحل بسطها أصول الفقه .. وبالله التوفيق.
أنواع الأحاديث ودرجاتها
علمت مما تقدم أن الحديث يحكم على درجته بأحوال رواته ـ وأحوال الرواة لا تحصى، وأحوال المتون كذلك , ومن هنا قال السيوطي بعد أن ذكر هو والنووي خمسة وستين نوعا للأحاديث: (ليس هذا آخر الممكن في ذلك فإنه قابل للتنويع إلى مالا يحصى).
ومع ذلك فهذه الأنواع التي لا تحصى لا تخرج عن ثلاثة أقسام: الصحيح، والحسن، والضعيف , لأنه إن اشتمل من أوصاف القبول على أعلاها فالصحيح , أو على أدناها فالحسن , أو لم يشتمل على شيء منها فالضعيف. ويتصل بكل قسم من هذه الأقسام بحوث نجملها فيما يلي:-
الحديث الصحيح:
هو ما اتصل سنده، بنقل العدل الضابط عن مثله، مع السلامة من الشذوذ والعلل .. وهذا هو الصحيح لذاته.
وهناك الصحيح لغيره وهو: ما لم تتوفر فيه هذه الشروط بأكمل معانيها، ولكنه اكتسب وصف الصحة لسبب آخر .. كالرواية من غير وجه، أو تلقي العلماء له بالقبول، أو الانطباق التام على الآيات المحكمة، أو بعض أصول الشريعة، فإن هذه المعاني وأشباهها ترفعه إلى درجة الصحة.
مراتب الصحيح:
إن رتب الصحيح ودرجاته تتفاوت في القوة بحسب تفاوت الأوصاف المتقدمة. فما يكون رواته في الدرجة العليا من العدالة
والضبط وسائر الصفات التي توجب الترجيح كان أصح مما دونه.
ومن المرتبة العليا في ذلك ما أطلق عليه بعض أئمة الفن أنه أصح الأسانيد:
كالزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه , وكمحمد بن سيرين عن عبيدة بن عمر السلماني عن علي.
وكإبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود , وكمالك عن نافع عن ابن عمر.
قال النووي رحمه الله: (والصحيح أقسام:
ـ وأعلاها: ما اتفق عليه البخاري ومسلم
ـ ثم ما انفرد به البخاري
ـ ثم ما انفرد به مسلم
ـ ثم ما كان على شرطهما وإن لم يخرجاه
ـ ثم على شرط البخاري
ـ ثم على شرط مسلم
ـ ثم ما صححه غيرهما من الأئمة.
.. فهذه سبعة أقسام).
¥