قال الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها: (وزيادة راويهما: ـ أي الصحيح والحسن ـ مقبولة، ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة، لأنه إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها، فهذه تقبل مطلقا، لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة، ولا يرويه عن شيخه غيره ... وإما أن تكون منافية بحيث يلزمهم من قبولها رد الرواية الأخرى , فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيقبل الراجح، ويرد المرجوح).
ـ واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقا من غير تفصيل , ولا يتأتى ذلك عن طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح ألا يكون شاذا. ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه , والعجب ممن أغفل منهم ذلك مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الحديث الصحيح وكذا الحسن.
ـ والنقول عن أئمة الحديث المتقدمين، كعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلى بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها , ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة ....
ـ ويصف الترمذي بعض الأحاديث بأنه "حسن صحيح " , وروى بعض المحدثين في هذا التعبير ما يستوقف النظر , لأن وصف الحسن قاصر عن الصحة.
وقد أجاب عن ذلك الحافظ ابن حجر بقولة: (إن تردد أئمة الحديث في حال ناقليه اقتضى للمجتهد ألا يصفه بأحد الوصفين. فيقال فيه: حسن وصفه عند قوم .. وصحيح باعتبار وصفه عند قوم).
وغاية ما فيه أنه حذف منه حرف التردد، لأن حقه أن يقول: حسن أو صحيح.
وعليه , فما قيل فيه: حسن صحيح، دون ما قيل فيه صحيح , لأن الجزم أقوى من التردد , وهذا حيث التفرد , فإن لم يحصل تفرد، فإطلاق الوصفين على الحديث يكون باعتبار إسنادين: أحدهما: صحيح فقط، والآخر حسن.
وعلى هذا، فما قيل فيه: حسن صحيح فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا، لأن كثرة الطرق تقوي.
ألقاب تشمل الصحيح والحسن:
الجيد، والقوى، والصالح، والمعروف، والمحفظ، والمجود، والثابت، والمقبول ـ كلها ألفاظ مستعملة عند أهل الحديث في الخبر المقبول، صحيحا كان أو حسنا، أو ضعيفا يصلح للاعتبار.
لواحق
1 - هل توجب صحة الحديث القطع به؟
للعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
أ - الوجوب مطلقا. وقد ذهب إلى ذلك ابن طاهر المقدسي.
ب - عدم الوجوب لجواز الخطإ والنسيان على الثقة , وعزاه النووي في التقريب للأكثرين والمحققين، وأنهم قالوا: إنه يفيد الظن ما لم يتواتر.
قال في شرح مسلم: (أن ذلك شأن الآحاد، ولا فرق في ذلك بين الشيخين وغيرهما , وتلقى الأمة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيهما من غير توقف على النظر فيه، بخلاف غيرهما، فلا يعمل به حتى ينظر فيه، ويوجد فيه شروط الصحيح , ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما القطع بأنه كلام النبي "صلى الله عليه وسلم").
جـ - تخصيص الوجوب بما رواه الشيخان أو أحدهما , وهو اختيار ابن الصلاح. وأضاف إليه ابن حجر المشهور المسلسل بالأئمة.
قال أبو إسحاق الإسفراييني: أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بصحة أصولها ومتونها، ولا يحصل الخلاف فيها بحال، وإن حصل فذلك خلاف في طرقها ورواتها.
قال: فمن خالف حكمه خبرا منها , وليس له تأويل سائغ للخبر، نقضنا حكمه لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول.
واستثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحته في الصحيحين ما تكلم فيه من أحاديثها.
وقال ابن حجر في شرح النخبة: (الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافا لمن أبى ذاك).
قال: (وهو أنواع: منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر، فإنه احتف به قرائن منها:
ـ جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما.
ـ وتلقى العلماء لكتابيهما بالقبول , وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر.
إلا أن هذا مختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ , وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه حيث لا ترجيح، لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر , وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته).
¥