2 - وإذا صح الحديث فقد وجب العمل به، وإن لم يخرجه الشيخان، ولا يترك العمل به لرأي ولا تقليد إمام ولا يوهم إجماع.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين:
(والذي ندين الله عليه، ولا يسعنا غيره، أن الحديث إذا صح عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه، أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه، وترك ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس، كائنا من كان، لا راويه ولا غيره.
إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث، ولا يحضره وقت الفتيا، أو يفطن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا، أو يكون في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه.
ولو قدر انتفاء ذلك كله ـ ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه ـ لم يكن الراوي معصوما ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك ...
كان الإمام أحمد إذا وجد النص أفتى بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه، ولا من خالفه كائنا من كان، ولذا لم يلتفت إلى خلاف عمر رضي الله عنه في المبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس، ولا إلى خلافه في التيمم للجنب لحديث عمار .. وهذا كثير جدا , ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا , ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا، ويقدمونه على الحديث الصحيح).
ـ وقال الشعراني في الميزان:
(فإن قلت: فما أصنع في الأحاديث التي صحت بعد موت إمامي ولم يأخذ بها؟ ..
فالجواب: ينبغي لك أن تعمل بها، فإن إمامك إن ظفر بها، وصحت عنده لربما كان أمرك بها. فإن، الأئمة كلهم أسرى في يد الشريعة , ومن فعل ذلك فقد حاز الخير بكلتا يديه.
ومن قال: لا أعمل بالحديث إلا إن أخذ به إمامي، فاته خير كثير، كما عليه كثير من المقلدين لأئمة المذاهب، وكان الأولى لهم العمل بكل حديث صيح بعد إمامهم ـ تنفيذا لوصية الأئمة، فإن اعتقادنا فيهم أنهم إن عاشوا وظفروا بتلك الأحاديث التي صحت بعدهم، لأخذوا بها، وعملوا بها، وتركوا كل قياس كانوا قاسوه، وكل قول كانوا قالوه.
وقد بلغنا من طرق صحيحة أن الإمام الشافعي أرسل يقول للإمام أحمد بن حنبل: إذا صح عندكم حديث , فأعلمونا به لنأخذ به ونترك كل قول قلناه قبل ذاك، أو قاله غيرنا، فإنكم أحفظ للحديث، ونحن أعلم به).
. وقال في الرد على من زعم أن الإمام أبا حنيفة رضى الله عنه يقدم القياس على الحديث ما نصه:
(ويحتمل أن الذي أضاف إلى الإمام أبي حنيفة أنه يقدم القياس على النص، ظفر بذلك في كلام مقلديه الذين يلزمون العمل بما وجدوه عن إمامهم من القياس ويتركون الحديث الذي صح بعد موت الإمام. فالإمام معذور، وأتباعه غير معذورين. وقولهم: إن إمامنا لم يأخذ بهذا الحديث لا ينهض حجة، لاحتمال أنه لم يظفر به أو ظفر به لكن لم يصح عنده.
وقد تقدم قول الأئمة كلهم: إذا صح الحديث فهو مذهبنا. وليس لأحد معه قياس ولا حجة إلا طاعة الله وطاعة رسوله، بالتسليم له).
ـ وقال ابن عابدين الدمشقي في شرح المنظومة المسماة بعقود رسم المفتى: (صح عن أبي حنيفة أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي).
ونقل فيها عن العلامة قاسم أنه قال في رسالته المسماة "رفع الاشتباه عن مسالة المياه": (لما منع علماؤنا رضى الله عنهم من كان له أهلية النظر من محض تقليدهم على ما رواه الشيخ الإمام العالم العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال: ليس لأحد أن يفتى بقولنا ما لم يعرف من أين قولنا؟ تتبعت مآخذهم، وحصلت منها بحمد الله تعالى على الكثير، ولم أقنع بتقليد ما في صحف كثير من المحدثين).
وقال في رسالة أخرى: (وإني ولله الحمد، لأقول كما قال الطحاوي لابن حربويه: لا يقلد إلا عصي أو غبي).
3 - يجب أن تفهم ألفاظ الحديث على طبيعتها ودلالتها من غير غلو في التأويل، ولا تقصير دون المراد.
ـ قال ابن القيم في كتاب الروح:
¥