(ينبغي أن يفهم عن الرسول "صلى الله عليه وسلم" من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه مالا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده، وما قصده من الهدى والبيان , وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال عن الصواب مالا يعلمه إلا الله , بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، بل هو أصل كل خطإ في الأصول والفروع، ولا سيما إذا أضيف إليه سوء القصد , فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده، وسوء القصد من التابع، فيا محنة الدين وأهله , والله المستعان .. وما أوقع القدرية والمرجئة، والخوارج، والمعتزلة، والجهمية، والروافض، وسائر طوائف أهل البدع إلا سوء الفهم عن الله ورسوله "صلى الله عليه وسلم" حتى صار الدين بأكثر أيدي الناس هو موجب هذه الأفهام .. والذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم عن الله ورسوله فمهجور لا يلتفت إليه، ولا يرفع هؤلاء به رأسا).
ـ وقال الشيخ علم الدين الفُلاّني المالكي في كتابه "إيقاظ الهمم":
(نرى بعض الناس إذا وجد حديثا يوافق مذهبه، فرح به، وانقاد له وسلم , وإن وجد حديثا صحيحا سالما من النسخ والمعارض، مؤيدا لمذهب غير إمامه، فتح له باب الاحتمالات البعيدة، وضرب عنه الصفح، والعارض، ويلتمس لمذهب إمامه أوجها من الترجيح مع مخالفته للصحابة والتابعين والنص الصريح , وإن شرح كتابا من كتب الحديث، صرف كل حديث خالف رأيه , وإن عجز عن ذلك كله ادعى النسخ بلا دليل، أو الخصوصية، أو عدم العمل به، أو غير ذلك مما يحفر ذهنه العليل , وإن عجز عن ذلك كله ادعى أن إمامه اطلع على كل مروي أو جله، فما ترك هذا الحديث الشريف إلا وقد اطلع على طعن فيه برأيه المنيف , فيتخذ علماء مذهبه أربابا، ويفتح لمناقبهم وكراماتهم أبوابا، ويعتقد أن كل من خالف ذلك لم يوافق صوابا، وإن نصحه أحد من علماء السنة اتخذه عدوا ولو كانوا قبل ذلك أحبابا , وإن وجد كتابا من كتب إمامه المشهورة، قد تضمن نصحه، وذم الرأي والتقليد، وحرّض على اتباع الأحاديث المشهورة نبذه وراء ظهره وأعرض عن نهيه وأمره، واعتقده حجرا محجورا .... ).
4 - ومن الحكمة والكياسة في التحديث تحري المصلحة والمناسبات في الرواية فلا يحدث بكل صحيح كل أحد.
ـ روى الشيخان عن معاذ رضي الله عنه قال: (كنت ردف النبي "صلى الله عليه وسلم" على حمار. قال: "يا معاذ، هل تدري ماحق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟ " قلت: الله ورسوله أعلم , قال: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا". قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر به الناس. قال: "لا تبشرهم، فيتكلوا" .. ).
ـ وفي رواية لهما عن أنس: (أن النبي "صلى الله عليه وسلم" وهو ردفه قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه , إلا حرمه الله على النار", قال: يا رسول الله , أفلا أخبر به الناس فيستبشروا. فقال: "إذن يتكلوا" ... فأخبر بها معاذ عند موته تأثما)
ـ وروى البخاري تعليقا عن علي رضي الله عنه قال: (حدثوا الناس بما تعرفون , أتحبون أن يكذب الله ورسوله).
ـ وروى مسلم عن ابن مسعود قال: (ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم كان لبعضهم فتنة).
ـ وقال الحافظ ابن حجر: (وممن كره التحديث ببعض دون بعض:
أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على الأمير , ومالك في أحاديث الصفات , وأبو يوسف في الغرائب ..
ومن قبلهم أبو هريرة , كما روي عن في الجرابين ... وأن المراد ما يقع من الفتن ونحوه عن حذيفة.
وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصه العرنيين , لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يتعمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي).
وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة , وظاهره في الأصل غير مراد فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب.
وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
حسن البنا
(نقلا عن موقع لواء الدين)
ـ[أبو عمر محمد بن إسماعيل]ــــــــ[02 - 05 - 10, 11:23 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[ابو ماجد صديقي]ــــــــ[02 - 05 - 10, 11:44 ص]ـ
جزاك الله خيرا ..
أول مرة اعرف أن للشيخ رسالة في المصطلح ..
رحم الله الشيخ وغفر له .. وتقبل منه صالح عمله ..
ـ[عبدالمصور السني]ــــــــ[02 - 05 - 10, 02:38 م]ـ
هل الرسالة له او لوالده فقد كان مشتغلا بالحديث مع طريقته الحصافية.
ـ[محمد بن يحيى محمد]ــــــــ[11 - 05 - 10, 12:00 م]ـ
هل هي رسالة مستقلة، أم مع غيرها من كلامه، وما صحة نسبتها اليه؟ وهل كان يدرسها للطلاب؟
ـ[محمد براء]ــــــــ[12 - 05 - 10, 01:01 م]ـ
هل هي رسالة مستقلة، أم مع غيرها من كلامه، وما صحة نسبتها اليه؟ وهل كان يدرسها للطلاب؟
هذه الرسالة جمعٌ لخمس مقالات نشرها الشيخ حسن البنا رحمه الله تعالى على خمس حلقات في أعداد مجلة (الشهاب) الخمسة، وهي مجلة شهرية كان الشيخ يصدرها في مصر، لم يصدر منها إلا خمسة أعداد، واسمها مأخوذ من مجلة الشهاب الجزائرية التي كان يصدرها عبد الحميد بن باديس رحمه الله.
واعتنى بهذه المقالات الخمس دكتور لبناني اسمه (ماجد درويش)، وعلق عليها وصححها، ونشرها في كتيب سماه (الإيضاح لمباحث الاصطلاح) صدر عن دار الإمام أبي حنيفة.
وهذه الرسالة غير موجودة في الطبعات القديمة من (مجموع رسائل الإمام حسن البنا)، وأظنها موجودة في الطبعات الجديدة.
وهناك مقالة قبلها للشيخ في المصطلح - غير موجودة في هذه الرسالة - نشرها في مجلة النذير، والمقالات الستة أثبتها (جمعة أمين عبد العزيز) في الكتاب الأول من سلسلة " من تراث الإمام البنا "، وهذه السلسلة جمع فيها جامعها مقالات الشيخ من المجلات والجرائد التي كان يكتب فيها، ومنه استفدت مصدر هذه الرسالة.
¥