تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- شكّ عطية في اسم الصحابيّ، فقال: "أبو عامر أو أبو مالك الأشعري". بينما ذكره مالك بلا شك، فقال: "أبو مالك الأشعري" وبه جزم البخاريّ في تاريخه، فرجَّحَ روايةَ مالك على رواية عطية التي ذكرها في صحيحه فقال (967، 1/ 304): ((وإنما يُعرف هذا عن أبي مالك الأشعري)). اهـ

- قال عطية في الحديث: ((يستحلون)) وليست في حديث مالك، بل فيه أنهم يشربون الخمر ((يسمّونها بغير اسمها)). وجمعَ البخاريُّ بينهما في ترجمته للباب المقصود في صحيحه.

- قال عطية إنهم يستحلون الخز والحرير، وليسا هما في حديث مالك.

- قال عطية إنهم يستحلّون المعازف استحلالَهم للخمر، بينما قال مالك: ((يعزف على رؤوسهم بالمعازف)). وليس في هذا دلالة على كون المعازف محرَّمة كالخمر، وإنما هي صفة لهؤلاء القوم.

- انفرد عطية بقوله: ((ولينزلنّ أقوامٌ إلى جنب علم ... الخ))، وهي ليست في حديث مالك.

- قال عطية إنّ الله يمسخهم قردة وخنازير لردّهم المحتاج وتسويفهم في الصدقة. بينما قال مالك إن الله يمسخهم وهم على هذه الهيئة مِن المجون وهم يشربون الخمر وتضرب على رؤوسهم المعازف والمغنيات.

الحديث ليس على شرط البخاري:

حديث المعازف ذكره البخاريّ استئناساً لا احتجاجاً، فإنه ليس على شرطه في الصحيح وذلك لأمرين:

* الأول: أنّ البخاريّ علَّقه ولم يَصِلْ ما بينه وبين شيخه هشام بن عمار. والعلماء في تناولهم لهذا الحديث لم يُنكروا كونه معلَّقاً، وإنما حَمَلوه على الاتصال لأن هشاماً مِن شيوخ البخاريّ الذين سمع منهم، والبخاريّ لم يكن بمدلِّس. وهذا الردّ لا ينفي حكاية التعليق، بل ليس الأمر متعلقاً بالتدليس - وحاشا البخاريّ أن يكون مدلِّساً - فالبخاريّ قد علَّق أحاديث عن شيوخه ولم يذكر فيها لا تحديثاً ولا عنعنة مع أنهم شيوخه. فلو كانت كل أحاديثهم محمولةً على الاتصال، فلماذا إذن علَّق ما علَّقه منها ولم يُسندها كلّها؟ فالبخاريّ رحمه الله قد يعلِّق بعض أحاديث شيوخه إذا لم يكن سمعها منهم. كما قال مثلاً في كتاب المناقب (3923): وقال محمد بن يوسف: حدثنا الأوزاعي .. الخ. قال البدر العيني في العمدة (18/ 38): ((قوله "وقال محمد بن يوسف": هو الفريابي، وهو شيخ البخاري أيضاً. وكأنه لم يسمعه منه، فلذلك علّقه)). اهـ

ولذلك تجد الذهبي لمّا ساق حديثنا هذا الذي علَّقه البخاري في صحيحه، قال كما في تذكرة الحفاظ (4/ 1336): ((أخرجه البخاريّ عن هشام عن غير سماع)). اهـ فقد فَهِمَ الذهبيُّ مِن تعليقِ البخاريّ نفسَ ما فهمه ابنُ حزم، وهو الانقطاع بين البخاريّ وهشام لعدم ذِكر صيغة التحديث.

ومما يدلّك على أنّ البخاريّ لم يسمع هذا الحديث مِن هشام:

1 - أنه خالف الرواة عن هشام في هذا الحديث وأدرج فيه لفظ ((الخز))، وإنما هو من حديث بشر بن بكر لا هشام. وقد نبّه عليه ابنُ حجر، فقال في الفتح (10/ 55): ((تنبيه: لم تقع هذه اللفظة عند الإسماعيلي ولا أبي نعيم من طريق هشام، بل في روايتهما: "يستحلون الحرير والخمر والمعازف")). اهـ

2 - أنّ لفظَ حديثِ بشرٍ إنما هو بالخاء والزاي ((الخز)) لا الحاء والراء. بينما ذكر البخاريُّ هذا اللفظ بلا إعجام هكذا ((الحر)) بالحاء والراء، وهذا ما عليه جمهور رواة الصحيح. قال ابن حجر في الفتح (10/ 55): ((ضبَطه ابنُ ناصر بالحاء المهملة المكسورة والراء الخفيفة، وهو الفَرْج. وكذا هو في معظم الروايات من صحيح البخاري، ولم يَذكر عياض ومَن تبعه غيرَه. وأغربَ ابنُ التين فقال: إنه عند البخاري بالمعجمتين. وقال ابن العربي: هو بالمعجمتين تصحيف، وإنما رويناه بالمهملتين)). اهـ

* الثاني: أنّ عطية بن قيس ليس مِن رجال البخاري، فلم يَذْكُر البخاريُّ حديثَه إلا معلَّقاً. وتعليقُ البخاريّ لحديث قيس مانعٌ مِن إدخاله في رجاله، تماماً كما هو الحال مع حمّاد بن سلمة مع أنّ حماداً أجلّ وأرفع.

حديث المعازف ليس في باب المعازف:

هنا ملمحان دقيقان في إيراد البخاريِّ هذا الحديثَ في صحيحه:

الأول: أنه ذكره في "كتاب الأشربة": "باب ما جاء فيمن يستحلّ الخمر ويسميه بغير اسمه". ولم يستحدِث له باباً في تحريم المعازف، وإنما اكتفى بموضع الشاهد منه المتعلِّق بالترجمة. والبخاريُّ فقيهٌ يستنبط مِن المتون ما يُترجم به أبوابه، بل ويُقطِّع المتون بحسب ما تقتضيه التراجم. ولو كان في الحديث دلالةٌ على تحريم المعازف، لعقد له البخاريّ باباً مستقلاً. وهذه قرينةٌ قويةٌ على أنّ موضع الشاهد هو استحلال الخمر، لأنها مقطوعٌ بحُرمتها. ويظهر مِن صنيع البخاريّ أنّه لم يصحّ عنده في باب تحريم المعازف شيء.

والثاني: أن قول البخاري في عنوان الباب "ما جاء فيمن يستحلّ الخمر ويسميه بغير اسمه" أخذه مِن حديثي عطية بن قيس ومالك بن أبي مريم معاً. فذَكَرَ الأول ولم يذكر الثاني، وكلاهما ليسا على شرطه. أما الأول فقد تكلّمنا عليه، وأما الثاني: فإنّ مالك بن أبي مريم لا يُعرَف، والراوي عنه هو حاتم بن حريث وهو شيخ لا يكاد يُعرف، والراوي عنه هو معاوية بن صالح وهو مُتكلَّمٌ فيه. وثلاثتهم ليسوا مِن رجال البخاري، ولذلك ساق حديثَهم في تاريخه لا في صحيحه.

والله أعلى وأعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير