ونقل ابن حجر في النكت (2/ 552 - 554) كلاماً عن الشافعي وختمه بقوله: «فهذا يدل على أنه قبل مراسيل سعيد بن المسيب لكونه لا يسمي الا ثقة، وأما غيره فلم يتبين له ذلك منه فلم يقبله مطلقاً، وأحال الأمر في قبوله على وجود الشرط المذكور».
وقال ابن عبد البر في التمهيد ما سبق نقله في ترجمة ابراهيم النخعي.
قلت: ومما لعله يؤيد كونه لا يروي الا عن ثقة اتفاقهم على أنه لا يرسل الا عن ثقة، قال العلائي في جامع التحصيل (ص89): «وقد اتفقت كلمتهم على سعيد بن المسيب وأن جميع مراسيله صحيحة وانه كان لا يرسل الا عن ثقة من كبار التابعين أو صحابي معروف، قال معنى ذلك بعبارات مختلفة جماعة من الأئمة منهم مالك ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم».
ولكن انظر المراسيل لابن أبي حاتم (ص4 و 72) ففيها ما يعكر على دعوى الاتفاق هذه.
(((سليمان بن حرب))) (ت244) (7)
قال سليمان بن حرب: «عمدت إلى حديث المشايخ فغسلته، قيل: مثل من؟ قال: مثل الحكم بن عطية». انظر تحرير التقريب (1/ 311).
وقال ابن أبي حاتم في ترجمة محمد بن أبي رزين من الجرح والتعديل (7/ 255): «سئل أبي عنه فقال: شيخ بصري لا أعرفه لا أعلم روى عنه غير سليمان بن حرب، وكان سليمان قلّ من يرضى من المشايخ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ فاعلم أنه ثقة».
أقول: رد النباتي هذا القول على أبي حاتم كما في تهذيب التهذيب (4/ 179)، وكذلك قد عُلمت رواية سليمان بن حرب عن جماعة من الضعفاء مثل مبارك بن فضالة وحفص بن أسلم الأصغر؛ وانظر ما تقدم عن ابن رجب في ترجمة حريز.
وقال الذهبي في الكاشف (4845): «محمد بن أبي رزين عن أمه وعنه سليمان بن حرب، ومشيخة سليمان وثقهم أبو حاتم مطلقاً، ت».
فقال محمد عوامة في تعليقه على هذه الترجمة: «وقد نقل قول أبي حاتم هذا المزي والمصنف هنا وفي التذهيب 3:203/ب والميزان 3 (7520) والمغني (5498) مع الموافقة والاقرار، إلا في ديوان الضعفاء (3709) فإنه قال: مجهول؛ ولم يذكر قول أبي حاتم فكأنه لم يرتضه؛ ومثله الحافظ في التقريب (5878) فإنه قال: (مقبول)، لأنه في ثقات ابن حبان 7/ 422، وكان قد قال في التهذيب: (رد هذا القول النباتي على أبي حاتم).
وعلى كل فإن الذي أفهمه من كلمة أبي حاتم التوثيق العام (8) وكل ما يدخل تحت كلمة (مقبول) – لا التوثيق المصطلح عليه وأن حديث صاحبه صحيح الصحة الاصطلاحية –؛ وهذا القبول العام يقيد من ناحية أخرى فيقال: هو كذلك عند أبي حاتم لا عند الجميع؛ ونقول فيه أيضاً: إنه اغلبي لا كلي مطرد».
هذا وقد ذكر المزي في تهذيب الكمال من عرفهم من شيوخ سليمان، وشرطه فيه – كما هو معلوم – استيعاب من يعلمهم من شيوخ المترجم والرواة عنه؛ ولكن ابن حجر في تهذيب التهذيب لم يستوعب أولئك الشيوخ مع أن شرطه فيه استيعاب شيوخ من قيل أنه لا يروي الا عن ثقة!! فالظاهر أنه غير موافق لأبي حاتم على ما قاله في شيوخ سليمان بن حرب.
(((شعبة بن الحجاج)))
كلام العلماء المتعلق بكون شعبة لا يروي الا عن ثقة كثير لا يتسع المقام لذكر جميعه.
ومن أعدل أقوالهم في هذا الباب وأوسطها قول الحافظ ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي) (ص89 - 90): «إن الغالب على طريقة شعبة الرواية عن الثقات، وقد يروي عن جماعة من الضعفاء الذين اشتهر جرحهم والكلام فيهم الكلمة والشيء والحديث وأكثر من ذلك».
ثم مثل لهؤلاء بثلاثة عشر شيخاً من شيوخ شعبة، وذكر أنه روى عن غير هؤلاء ممن تكلم فيه ونسب إلى الضعف وسوء الحفظ وقلة الضبط ومخالفة الثقات.
ونحوه ما يتعلق بشعبة من قول العلائي في جامع التحصيل في أحكام المراسيل (ص90): «إن مالكاً لم يرو إلا عن ثقة عنده، ووافقه الناس على توثيق شيوخه الا في النادر منهم كعبد الكريم بن أبي المخارق وعطاء الخراساني؛ وأما سفيان الثوري فإنه روى عن جماعة كثيرين من الضعفاء مثل جابر الجعفي ونحوه، وشعبة متوسط بينهما في ذلك».
وهذان القولان أقرب من قول أبي حاتم إذ قال لابنه عبد الرحمن كما في شرح علل الترمذي (1/ 381): «إذا رأيت شعبة يحدث عن رجل فاعلم أنه ثقة الا نفراً بأعيانهم» إلا إذا أراد بالنفر عدداً كثيراً نحواً من عشرين، والله أعلم.
وقول أبي حاتم هذا أقرب من قول من ذهب إلى توثيق شيوخ شعبة عامة بلا استثناء (9).
¥