وقال أبو القاسم البغوي -كما في سير أعلام النبلاء (7/ 207 - 208) -: «حدثنا ابن زنجويه حدثنا عبد الرزاق عن أبي أسامة قال: وافقنا من شعبة طيب نفس فقلنا له: حدثنا ولا تحدثنا إلا عن ثقة؛ فقال: قوموا (10)».
فائدة: لم يكن شعبة ينتقي الرجال فقط بل كان ينتقي أحاديثهم أيضاً، قال ابن حجر في فتح الباري (11/ 197) في معرض كلامه على بعض الأحاديث: «وأشار الإسماعيلي إلى أن في السند علة أخرى فقال: سمعت بعض الحفاظ يقول: إن أبا إسحاق لم يسمع هذا الحديث من أبي بردة، وانما سمعه من سعيد بن أبي بردة عن أبيه قلت وهذا تعليل غير قادح فإن شعبة كان لا يروى عن أحد من المدلسين الا ما يتحقق انه سمعه من شيخه». وذكر نحو هذا في بضعة مواضع من الفتح.
(((عبد الله بن أحمد بن حنبل)))
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (13/ 523): «قال أبو أحمد بن عدي: ولم يكتب [يعني عبد الله] عن أحد إلا من أمره أبوه أن يكتب عنه».
وقال ابن حجر في تعجيل المنفعة (ص15) في ترجمة ابراهيم بن الحسن بن الحسن: «كان عبد الله بن أحمد لا يكتب الا عن من أذن له أبوه في الكتابة عنه، وكان لا يأذن له أن يكتب الا عن أهل السنة حتى كان يمنعه عن من أجاب في المحنة ولذلك فاته علي بن الجعد ونظراؤه من المسند».
وقال (ص19) في ترجمة ابراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي: «وقد تقدم أن عبد الله كان لا يكتب الا عن ثقة عند أبيه».
وقال (ص355) في ترجمة الليث بن خالد البلخي: «وقد كان عبد الله بن أحمد لا يكتب الا عن من يأذن له أبوه في الكتابة عنه، ولهذا كان معظم شيوخه ثقات».
وقال (ص360) في ترجمة محمد بن تميم النهشلي: «قال أبو حاتم: مجهول. قلت: حكم شيوخ عبد الله القبول إلا أن يثبت فيه جرح مفسر لأنه كان لا يكتب الا عن من أذن له أبوه فيه».
قلت: اشتراطه تفسير الجرح فيه نظر بل الصحيح عدم اشتراط ذلك، فكل من ثبت فيه جرح من شيوخ عبد الله ولم يثبت فيه من التعديل سوى مقتضى رواية عبد الله عنه فهو مجروح.
وأما تجهيل ناقد لشيخ من شيوخ عبد الله بن أحمد فالظاهر أن مثل ذلك الشيخ لا يحكم عليه بتعديل ولا تجهيل ولا غيرهما إلا بعد النظر في القرائن والمتعلقات.
(((عبد الرحمن بن مهدي)))
قال أبو داود في سؤالاته لأحمد ص338 - 339: «سمعت أحمد قال: أبان بن خالد شيخ بصري لا بأس به كان عبد الرحمن يحدث عنه، وكان لا يحدث إلا عن ثقة».
وقال الامام أحمد أيضاً فيما نقله عنه الخطيب في الموضع المذكور أيضاً والذهبي في السير (9/ 203) وابن رجب في شرح العلل (1/ 377) وابن حجر في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي من تهذيب التهذيب: «إذا روى عبد الرحمن عن رجل فروايته حجة» (11).
وقال ابن حبان في ترجمة عبد الرحمن من الثقات: «كان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع في الدين، ممن حفظ وجمع وتفقه وصنف وحدث وأبى الرواية الا عن الثقات».
وقال الخطيب في الكفاية (ص92): «إذا قال العالم: كل من أروي لكم عنه وأسميه فهو عدل رضا مقبول الحديث كان هذا القول تعديلاً منه لكل من روى عنه وسماه، وقد كان ممن سلك هذه الطريقة عبد الرحمن بن مهدي» (12).
ولكن قد ورد عن الامام أحمد وغيره ما يخالف هذه الأقوال الثلاثة في أصلها أو في إطلاقها؛ فقد قال الامام أحمد أيضاً فيما أسنده إليه الخطيب في الكفاية نفسه (ص92): «كان عبد الرحمن أولاً يتسهل في الرواية عن غير واحد ثم تشدد بعد، كان يروي عن جابر الجعفي ثم تركه».
بل قال أحمد بن سنان فيما حكاه عنه الخطيب في الكفاية أيضاً (ص143): «كان عبد الرحمن بن مهدي لا يترك حديث رجل إلا رجلاً متهماً بالكذب أو رجلاً الغالب عليه الغلط».
روى مسلم في التمييز ص136 وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1/ 1/38 وأبو عبد الله بن منده في شروط الأئمة ص82 والخطيب في الكفاية ص227 عن أبي موسى محمد بن المثنى قال قال لي ابن مهدي: يا أبا موسى! أهل الكوفة يحدثون عن كل أحد!! قلت: يا أبا سعيد هم يقولون انك تحث عن كل أحد!! قال: عمن أحدث؟! فذكرت له محمد بن راشد، فقال: احفظ عني: الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن، فهذا لا يختلف فيه، وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك، لأنه لو ترك حديث هذا لذهب حديث الناس، وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم، فهذا يترك»، انتهى؛ وبعض من ذكرتهم روى هذا الخبر مختصراً.
¥