ويظهر أن المذهب الصحيح في الجمع بين هذا القول في شيوخ عبد الرحمن والقول الذي قبله هو أن من أطلق تقويتهم كان قوله من باب اعتبار الجملة والغلبة فيكون مراده أن عبد الرحمن لا يروي في أغلب أحواله الا عن ثقة أو أنه من باب العام المخصوص ويكون مراده أن عبد الرحمن لا يروي فيما عدا القديم من مروياته الا عن رجل يحتج به.
تكميل: مما يتعلق بهذا الباب ويحسن إيراده فيه كلمتان، الكلمة الأولى للحافظ الخطيب، والكلمة الثانية للحافظ ابن حجر:
روى الخطيب في الكفاية (ص133) عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: «لا ينبغي للرجل أن يشغل نفسه بكتابة أحاديث الضعاف فإن أقل ما فيه أن يفوته بقدر ما يكتب من حديث أهل الضعف يفوته من حديث الثقات».
وقال الحافظ ابن حجر في النكت (1/ 482): «وذلك أن كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط، فمن الاولى شعبة وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه؛ ومن الثانية يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبد الرحمن 000 وقال النسائي?لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه)؛ فأما اذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى القطان مثلا فإنه لا يترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد» (13). انتهى.
وقول الخطيب يؤيد قول من قال إن عبد الرحمن لا يروي الا عن ثقة ولكنه ليس صريحاً في ذلك؛ وقول ابن حجر قد يؤيد قول من قال ان عبد الرحمن يروي عن الثقة وغيره ولكنه ليس صريحاً في ذلك.
وانظر الكامل لابن عدي (1/ 110) والجرح والتعديل (1/ 1/35 - 36) وتقدمة الجرح والتعديل (ص252) لابن أبي حاتم والكفاية للخطيب (ص167) وتغليق التعليق لابن حجر (2/ 353).
(((علي بن المديني)))
قال النسائي في محمد بن الحسن بن أَتَش: (متروك)، وقال مرة: (ليس بثقة) فقال أبو العرب القيرواني: «قال أحمد بن صالح: هو ثقة. وكلام النسائي فيه غير مقبول لأن أحمد وعلي بن المديني لا يرويان الا عن مقبول 00».
فتعقبه صاحبا (تحرير التقريب) (3/ 227 - 228) بقولهما: «إن كان يريد التوثيق ففيه نظر شديد، أما المقبول الذي لا يكذب فهذا صحيح لأننا جربنا روايتهما عن ضعفاء معروفين بالضعف».
وانظر بعض ما يتعلق بأحوال شيوخ ابن المديني وشرطه فيهم في ترجمته من الفصل الرابع.
(((مالك بن أنس)))
قد صرح عدد من العلماء بأن مالكاً ينتقي شيوخه أو بأنه لا يروي الا عن ثقة وبعضهم وثق رواة لا يعرفهم الا برواية مالك عنهم.
أقوال العلماء في توثيق شيوخ مالك وما يتعلق بذلك التوثيق متكاثرة يطول حصرها واستقصاؤها، وأنا إنما ذكرت ما تيسر ذكره منها.
-قال ابن عيينة كما في ترتيب المدارك (1/ 150): «كان مالك لا يبلغ [من] الحديث الا صحيحاً ولا يحدث الا عن ثقة».
-وقال عليّ بن المَديني عن سُفيان بن عُيَيْنَة: «ما كان أشد انتقاد (14) مالك للرجال وأعلمه بشأنِهم» (15).
-قال عليّ أيضاً: «قيل لسُفيان: أيما كان أحفظ سُمَيّ أو سالم أبو النّضْر؟ قال: قد روىَ مالك عنهما».
-قال عليّ أيضاً عن حبيب الوَرّاق كاتب مالك: «جعل لي الدّراوَرْديّ وابن أبي حازم، وابن كنانة ديناراً علىَ أن أسأل مالكاً عن ثلاثة رجال لم يروِ عنهم وكنتُ حديثَ عَهْدٍ بِعُرس، فقالوا: أتدخل عليه وعليك موردتان؟ قال: فدخلتُ عليه بعد الظهر، وليسَ عنده غير هؤلاء، قال: فقال لي: يا حبيب ليس هذا وقتك. قال: قلت: أجل، ولكن جعل لي قومٌ ديناراً علىَ أن أسألك عن ثلاثة رجال لم ترو عنهم وليس في البَيْت دَقِيق ولا سويق. قال: فأطرق ثم رفع رأسه، وقال: ما شاءَ الله لا قوة إلا بالله، وكان كثيراً ما يقولها، ثم قال: يا حبيب ما أحبّ إليّ منفعتك ولكني أدركت هذا المسجد وفيه سبعون شيخاً ممن أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وروىَ عن التابعين ولم يحمل العِلْمَ إلا عن أهله. قال: فأومأ القَوْمُ إليّ أن قد اكتفينا 000
قال: وسألت مالكاً عن رجل، فقال: رأيته في كُتُبي؟ قلت: لا. قال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي».
-قال علي – كما في (إسعاف المبطأ) (ص2) -: «إن مالكاً لم يكن يروي إلا عن ثقة».
-قال عليّ: «لا أعلم مالكاً ترك إنساناً إلا إنساناً في حديثه شيء».
-قال الشافعي - كما في تقدمة الجرح والتعديل (ص14) والكامل (1/ 92) -: «إذا جاء الحديث عن مالك فشدَّ به يدك».
¥