تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويعد هذا الحديث عمدة القائلين بتحريم المعازف لذا حاول المبيحون الطعن فيه كما مر معك ويستفاد منه التحريم للمعازف من وجوه:

قوله " يستحلون " أي المذكورات في الحديث محرمة أصلاً، فإما أنهم يعتقدون أنها حلالاً فيفعلونها فالوعيد هنا يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب ([7])

وإما أنهم يسترسلون في فعلها استرسالهم في فعل الحلال، وهذا واضح الدلالة على التحريم.

ـ أشرك المعازف مع الخمر والزنا والحرير في الحكم وهي من الأشياء المقطوع بحرمتها، فهذا يقتضي حرمة المعازف ([8]).

ثم إن تحريم المعازف ورد في أكثر من حديث، بل صنف بعض الأئمة مؤلفات خاصة بالموضوع كذم الملاهي لابن أبي الدنيا وغيره.

إذا علم هذا فهل الدف من المعازف؟

قال الحافظ في الفتح [10/ 46]: (وفي حواشي الدمياطي، المعازف: الدفوف وغيرها مما يضرب به).

وقال ابن الأثير في النهاية: (العزف: اللعب بالمعازف وهي الدفوف وغيرها مما يضرب به وقيل إن كل لعب عزف).

وقال ابن القيم في مدارج السالكين [1/ 484]: (وآلات المعازف: من اليراع والدف والأوتار والعيدان).

فالدف من المعازف قطعاً لغة وشرعاً، فهو فرد من أفراد العموم – المعازف - التي ورد النص الشرعي بتحريمها.

فتحريم المعازف حكم كلي ثابت بالدليل العام ووردت نصوص تستثني الدف من قاعدة التحريم العامة.

وهذا الإستثناء يسميه بعض الأصوليين استحسان بالنص ([9]).

إذاً فالدف أبيح استثناءً من الأصل، وليس باق على أصل الإباحة ومما يدل أيضاً على هذا الكلام دلالة واضحة لا ريب فيها:

إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه في نعته للدف بمزمور الشيطان، وهذا النعت لم يأت إلا نتيجة لما استقر في ذهن أبي بكر رضي الله عنه من التحريم العام للمعازف، ومنها الدف، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين له أن الدف أبيح استثناءً كونه يوم عيد.

وقد يتفرع في الذهن قول قائل: إذا كانت النتيجة واحدة، وهي إباحة الدف فما الفائدة من هذا التأصيل؟!

فالجواب وبالله التوفيق: أن هناك فرق بين ما هو باق على أصل الإباحة، وبين ما أبيح بالنص استثناءً.

فالباقي على أصل الإباحة: محل بحثه نظرية الاستصحاب، وعليه فالدف يباح مطلقاً- بتوسع - ما لم يفض لمفسدة.

أما ما أبيح بالنص استثناءً: فمحل بحثه نظرية الاستحسان، وعليه فالدف يباح بشروط جاء النص بتحديدها، إذ أن الإستثناء لا توسع فيه، وبعبارة من يقول بالاستحسان: ما ورد على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس.

ومن المعلوم أن الضرب بالدف من اللهو المباح و (الأصل التنزه عن اللعب واللهو، فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتاً وكيفية تقليلاً لمخالفة النص) ([10]).

وبعد هذه الكلمات اليسيرة ننتقل إلى دراسة نصوص إباحة الدف.

النصوص الشرعية الواردة في إباحة الدف:

لقد حاول البعض الاستدلال بنصوص حديثية على إباحة الدف في مجالس الذكر وغيرها، إلا أن هذه النصوص جميعها في غير محل النزاع، فضلاً عن كون بعضها ضعيفاً لا يحتج به.

وفي الصفحات القادمة سأقوم باستعراض النصوص الحديثية مع بيان درجتها من خلال أقوال أهل العلم فيها، ومن ثم تبيان مآخذ المستدلين بها، على ضوء قواعد أهل العلم.

فأقول يمكن حصر النصوص الحديثية المبيحة للدف في أربع مجموعات، وذلك من حيث الموضوع المستخدم فيه وهي:

1 ـ الأحاديث الواردة في إباحته في النكاح.

2 ـ الأحاديث الواردة في إباحته في العيد.

3 ـ الأحاديث الواردة في إباحته في النذر.

4 ـ الأحاديث الواردة في إباحته في استقبال القادم.

أولاً: دراسة أحاديث الدف الواردة في باب النكاح:

وعددها تسعة أحاديث: ثمانية منها مرفوعة والتاسع موقوف.

الحديث الأول:

(فصل ما بين الحلال والحرام: الدف والصوت في النكاح)

رواه النسائي [3369] وابن ماجة [1896] والترمذي [1088] وحسنه وأحمد [4/ 259] والحاكم [2/ 184] وصححه ووافقه الذهبي. كلهم عن محمد بن حاطب، ورمز السيوطي إلى تصحيحه في الجامع الصغير تحت رقم [5851].

الحديث الثاني:

عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير