(ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثاً) ([22]).
وأما الأحاديث الوارد فيها الأمر بصيغة الجمع كحديث عائشة رضي الله عنها وفيه (واضربوا عليه بالدف)، وحديث معاذ رضي الله عنه وفيه (دففوا على رأس صاحبكم)، وحديث أنس رضي الله عنه وفيه (اضربوا على رأس صاحبكم).
فكلها ضعيفة لا ترقى إلى منزلة الاحتجاج بها.
فالراجح: عدم جواز الضرب بالدف للرجال ....... والله أعلم.
خامساً: الضرب بالدف في المسجد:
ذهب طائفة من الناس إلى جواز الضرب بالدف في المسجد، مستدلين بحديث (أعلنوا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف).
وجاء في صريح البيان نقلاً عن ابن حجر الهيتمي ما نصه: (وفيه إيماء إلى جواز الضرب بالدف في المساجد لأجل ذلك، فعلى تسليمه يقاس به غيره) ([23])
وفي هذا الاستدلال نظر من جهة الإسناد والاستنباط:
1ـ أما من جهة الإسناد فقد مضى أن ثلاثة من الحفاظ قالوا بضعف هذا الحديث، ومن المعلوم أن الحديث الضعيف لا يثبت به حكم شرعي.
2ـ وأما من جهة الاستنباط: فإن الضمير في " اجعلوه " يعود إلى أقرب مذكور، وهو النكاح فتأويل الحديث: واجعلوا النكاح في المساجد.
وكذا الضمير في "عليه" يعود إلى النكاح، لاتحاد مرجعية الضمائر، فيصبح معنى الحديث:
أعلنوا النكاح، واجعلوا النكاح في المساجد، واضربوا على النكاح بالدفوف.
وفي هذا المقام يقول المناوي: (فإن قلت: المسجد يصان عن ضرب الدفوف، فكيف أمر به، قلت: ليس المراد أن يضرب به فيه، بل خارجه والمأمور بجعله فيه مجرد العقد فحسب) ([24]).
فالذي تُلجىء إلى القول به قواعد أهل العلم: هو عدم جواز الضرب بالدف في المسجد .... والله أعلم.
سادساً: استعمال الدف في الذكر:
شاع في أيامنا هذه استعمال الدف في معظم مجالس الذكر، واتخاذ ذلك قربة إلى الله تعالى، حاملين الاستعمال على الإباحة الأصلية، مستدلين بالأحاديث الواردة بإباحته.
وفي الكلمات القادمة تحرير لهذه المسألة:
ففي البداية لا بد من التذكير: بأنه قد علم بالضرورة أن الذكر من العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا الهوى والابتداع، وأن الأصل في العبادات الحظر إلا بدليل.
إذا تم هذا، نستطيع القول: أن الأصل في ضرب الدف في الذكر الحظر حتى يرد الدليل بالإباحة، و بما أن الدليل مفقود، فيبقى الحكم على أصل الحظر.
وأما الأحاديث الصحيحة الواردة في إباحته، فهي واردة في غير محل النزاع.
إذ أن محل النزاع: جواز ضرب الدف في الذكر أو عدمه، وأحاديث الإباحة واردة في العرس والعيد، ثم أن هذا لهو مباح، والذكر طاعة، فكيف تقاس الطاعة على اللهو؟!.
وأما قولكم: بأن الدف باق على الإباحة الأصلية والأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل التحريم.
فالجواب: أن هذه القاعدة صحيحة في ذاتها، ولكن لا يستدل بها في هذا الموضع، وذلك أن الدف ليس من الأشياء الباقية على الإباحة الأصلية وإنما مستثنى من النص كما سبق تقريره.
أي محل بحثه نظرية الاستحسان في النوع المسمى استحسان بالنص كما تقدم بحثه.
ومن المعلوم أن الاستثناء لا توسع فيه، بل يجب الوقوف فيه على موارد النص، ثم إن الخلط بين العبادة واللهو، والسلوك على ذلك الخلط قربة لله تعالى، ما هو إلا بدعة مذمومة لا دليل عليها من الشرع، اللهم إلا اتباع هوى وتزيين شيطان.
ذلك أن الدف لم يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في الذكر - بالرغم من أنه كان يذكر الله على كل أحيانه، والدف معروف عنده - فمع وجود هذا المقتضي وانتفاء المانع تكون السنة هي الترك تأسياً.
وكذا كان أمر الصحابة رضوان الله عليهم، ومن استن بهديهم إلى يوم الدين.
فاحذر أ خي المسلم مما يزينه الشيطان من سوء الأعمال فإنها مزلة مهلكة، واعتصم بالوحي الإلهي: الكتاب والسنة، فقد تكفل النبي صلى الله عليه وسلم لمن تمسك بهما أن لا يضل أبداً.
سابعاً: أخذ الأجرة على الضرب بالدف:
إن الاستثناء وارد في استعمال الدف بشروطه، لا في جواز أخذ الأجرة على الضرب به.
ومن المعلوم أن الدف من آلات اللهو فيأخذ حكم استئجارها.
والنصوص الفقهية متفقة على عدم جواز استئجار آلات اللهو:
فحد الإجارة عند الشافعية: عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم.
¥