ج: لأن العبادات هي أول ما يطالب به العبد, ثم لأنها تلزم أكثر المسلمين بخلاف المعاملات التي لا يحتاج إلى تعلُّم أحكامها غير المتعامل بها.
وبدأ بالطهارة كغالب المصنفين في الفقه؛ لأن النصوص الشرعية قَدَّمَت الصلاةَ على غيرها من العبادات -وذلك بعد التوحيد-، ولماّ كانت الصلاة تشترط لها الطهارة، قدموا الشرط على المشروط، والكلامُ على الوسيلة مقدَّم على الكلام عن المقصد.
س: لِمَ ابتدأ المصنف في الكلام على الطهارة بـ (باب أحكام المياه)؟
ج: لأن المياه هي الأصل في التطهير.
قال المصنف رحمه الله تعالى: (خُلِق الماء طهوراً) أي: أنه طاهر في نفسه مطهِّر لغيره؛ لحديث أبي سعيد الخدري t مرفوعاً: (إن الماء طَهورٌ لا ينجِّسه شيء) أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه. فالأصل أن الماء طهور لا ينجُس إلا إذا طرأ ما ينقله عن هذا الأصل.
وقوله: (يطهِّر من الأحداث والنجاسات) وذاك أن الطهارة قسمان: طهارة من حَدَث، وطهارة من خَبَث.
فالحَدَثُ: وصفٌ قائمٌ بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة.
والخَبَثُ: النجاسة، وهي عين مستقذرة شرعاً تمنع صحةَ الصلاة.
إذن فالطهارة هي: [رفع الحدث , و إزالة الخبث]
*فائدة: الحدث أمر معنوي؛ لذا يعبَّر معه بالرفع، أما الخبث فأمر حسي؛ لذا يعبر معه بالإزالة.
الماء الطهور: هو الباقي على أصل خلقته حقيقةً أو حُكمًا [1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=579461#_ftn1).
ومن أمثلته: مياه الأمطار والآبار والعيون والبحار.
وقول المصنف: (ولا تحصُل الطهارةُ بمائعٍ غيره) يفيد أمرين:
الأول: أنه لا يطهِّر من الأحداث إلا الماء الطهور, ولا تحصل الطهارة من الحَدَث بمائع غيره.
الثاني: أنه لا يطهِّر من النجاسات إلا الماء الطهور، وهو مشهور المذهب وقول الجمهور.
لكن, هناك رواية عن الإمام أحمد بحصول الطهارة من النجاسات بكل مائع طاهر، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
مسألة:
1) أجمع الفقهاء على أن الماء الكثير -الذي يشق نزحه وإذا حُرِّك طرفه لم يتحرك الطرف الآخر - طهور لا ينجس إلا بالتغير.
2) أجمعوا - أيضاً - أن الماء إذا خالطته نجاسة فغيرت لونه أو طعمه أو ريحه نجس.
* لكنّ الإشكال في الماء القليل الذي خالطته نجاسة فلم تغيره (لم تغير لونه أو طعمه أو ريحه) هل ينجس بمجرد ملاقاته النجاسة، أم أنه لا ينجس لعدم التغير؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد: أن الماء القليل -وهو ما كان دون القلتين- إذا خالطته نجاسة فهو نجس وإن لم يتغير.
والدليل: حديث ابن عمر t أن النبي r قال: (إذا بلغ الماء قُلَّتَين لم يحمل الخَبَث) الخمسة، وفي رواية: (لم ينجُس). ومفهومُه أنه إذا لم يبلغ القلتين يتنجس.
س: ما مقدار القلتين؟
ج: قال المصنف: (والقُلَّتان ما قاربَ مائة وثمانية أرطال بالدمشقي)
وهما في الأوعية المكعبة: ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً.
وفي المدورة: ذراع واحد، مع عمق ذراعين ونصف.
وهما بالصاع:ثلاثة وتسعون صاعاً وثلاثة أرباع الصاع.
وباللتر: قرابة (204)، وقيل: (270) لتراً.
وفي رواية عن الإمام أحمد: أن الماء - قل أو كثر- لا ينجس إلا إذا تغير بالنجاسة وفاقاً للمالكية, واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الأقرب؛ لأن دلالة المفهوم في حديث القلتين ضعيفة لا تقوى على دلالة منطوقِ حديث أبي سعيد t[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=579461#_ftn2)، ويكون معناه بيان أن ما بلغ القلتين يدفع عن نفسه النجاسة فلا يتغير شيءٌ من أوصافه بوقوع النجاسة فيه لكثرته، وما كان دون ذلك فلم يتعرض له الحديث؛ إذ أنه لِقِلَّتِه قد تؤثر فيه النجاسة وتغيِّره [3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=579461#_ftn3). والله تعالى أعلم.
مسألة: الماء الجاري لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ولو كان قليلاً إلا إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه؛ لحديث أبي سعيد t.
قالوا: لأن الماء الجاري له قوة يدفع بها التغير عن نفسه فإنه يدفع بعضه بعضاً. وهذه رواية في المذهب اختارها الموفق ابن قدامة، ومشهور المذهب: أن الجاري كالراكد.
أقسام المياه:
الماء ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس.
¥