و هذا رجاله رجال الشيخين و هو يدل على أمرين؛ أحدهما أن الصلاة التي كانوا يصلون كانت نافلة، و قد بيّنه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، و هو في الموطأ، قال:
" لما قدمنا المدينة نالنا وباء من وعكها شديد، فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم على الناس و هم يصلون في سبحتهم قعودا فقال: (صلاة القاعد على نصف صلاة القائم) ".
و عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
" قدمنا المدينة فنالنا وباء من وعك المدينة شديد و كان الناس يكثرون أن يصلوا في سبحتهم جلوسا. فخرج النبي صلى الله عليه و سلم عليهم عند الهاجرة و هم يصلون في سبحتهم جلوسا، فقال: " صلاة الجالس نصف صلاة القائم ". قال: و طفق الناس حينئذ يتجشمون القيام ".
رواه عبد الرزاق (4120) بسند رجاله رجال الشيخين.
قلت: و قيام الناس بعد سماعهم كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم دليل على قدرتهم على ذلك و لو مع المشقة، و كان في وسع القوم - و الحال أنهم في نافلة - أن يصلوا قاعدين، و لكن رغبتهم في الثواب دفعهم إلى ما صنعوا. رضي الله عنهم و أرضاهم أجمعين.
قلت: قال ابن عبد البر في التمهيد - في معنى حديث عبد الله بن عمرو
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة أحد كم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم"
والمراد بهذا الحديث ومثله صلاة النافلة والله أعلم
لأن المصلى فرضا جالسا لا يخلو من أن يكون مطيقا على القيام أو عاجزا عنه فإن كان مطيقا وصلى جالسا فهذا لا تجزيه صلاته عند الجميع وعليه إعادتها فكيف يكون لهذا نصف فضل مصل بل هو عاص بفعله
وأما إذا كان عن القيام عاجزا فقد سقط فرض القيام عنه إذا لم يقدر عليه لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وإذا لم يقدر على ذلك صار فرضه عند الجميع أن يصلى جالسا فإذا صلى كما أمر فليس المصلى قائما بأفضل منه لأن كلا قد أدى فرضه على وجهه والأصل في هذا الباب أن القيام في الصلاة لما وجب فرضا بقوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: من الآية238] وقوله: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} [المزمل:2] وقعت الرخصة في النافلة ان يصليها الإنسان جالسا من غير عذر لكثرتها واتصال بعضها ببعض.
ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[25 - 05 - 07, 12:09 ص]ـ
قال أخونا الفاضل أحمد بن سالم حفظه الله:
قال الآجري في "الشريعة" (874):
أخبرنا الفريابي، قال: حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، قال: حدثنا الهقل بن زياد، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن محمد بن أبي عائشة قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا فرغ أحدكم من التشهد، فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة المحيا والممات، وشر المسيح الدجال، ثم ليدع لنفسه بعد بما شاء))
و يقابله ما رواه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (3/ 116/1034):حدثنا يحيى بن سافري، حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا الهقل، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن محمد بن أبي عائشة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فرغ أحدكم من التشهد، فليتعوذ من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة الدجال»
و هذا أصح، و هو المحفوظ من حديث الهقل
1. و هو الذي أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 73/1352) عن الحكم بن موسى به.
2. و هو الموافق لرواية الجماعة عن الأوزاعي.
3. قال الحافظ في " التقريب " (1/ 253/2588): " سليمان ابن عبدالرحمن ابن عيسى التميمي الدمشقي ابن بنت شرحبيل أبو أيوب صدوق يخطىء من العاشرة ". و قال الذهبي في " من تكلم فيه و هو موثق " (1/ 93/145): " احتج به البخاري وهو حافظ يأتي بمناكير كثيرة "
وقال ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 214/1531):
حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: ثنا محمد بن عمار، قال: ثنا المعافى، قال: ثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن محمد بن أبي عائشة قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع، من عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، ثم ليدع لنفسه بما بدا له))
و يقابله ما رواه النسائي (5/ 97/1309): أخبرني محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن المعافى به.
¥