تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الدليل الأول: أنه لا دليل قاطعا على اشتراط تمليك الفقير للزكاة فليس هناك دليل لا يتطرق إليه الاحتمال على أن اللام في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ {التوبة: 60} للتمليك، فاللام تستعمل تارة للتخصيص وتارة للتمليك وتارة للتعليل، وتارة للعاقبة، وليس هناك دليل يصلح لقصر اللام في الآية على معنى التمليك، قال السيوطي في معاني اللام الجارة: " لها معان: الاستحقاق وهي الواقعة بين معنى وذات نحو "الحمد لله"، "لله الأمر"، "ويل للمطففين"، "لهم في الدنيا خزي، والاختصاص" نحو" إن له أبا "، "فإن كان له إخوة "، والملك نحو له ما في السماوات وما في الأرض والتعليل نحو "وإنه لحب الخير لشديد" أي وإنه من أجل حب المال لبخيل بل لقد اعتبر عدد من أهل العلم بالعربية أن الاختصاص أصل في اللام، ولذا قدمها على الملك والاستحقاق، انظر [الجني الداني في حروف المعاني للمرادي المكتبة العربية بحلب [ط1 1973م ص96].

وعلى فرض صحة القول بأن اللام للتمليك، فلا يشترط تمليك العين، كما قال الراغب الأصفهاني في المفردات عند بيان معاني اللام الجارة: "اللام للملك والاستحقاق، وليس نعني بالملك ملك العين، بل قد يكون ملكاً لبعض المنافع أو لضرب من التصرف".

الدليل الثاني: أن المقصد التشريعي من الزكاة بالنسبة لمصرف الفقراء والمساكين هو إغناؤهم، ولاشك أن من وسائل تحقيق ذلك تعليم الفقير حرفة يعيش منها، فالزكاة ليست مجرد سد جوعة الفقير أو إقالة عثرته بكمية قليلة من النقود، ليعود لوصف الفقر أو المسكنة بعد نفادها، وإنما وظيفتها الصحيحة تمكين الفقير من إغناء نفسه بنفسه، بحيث يكون له مصدر دخل ثابت يغنيه عن طلب المساعدة من غيره، ويؤيد ذلك أيضاً أن حد الكفاية الذي حرصت الزكاة على تأمينه للفقير لم يقتصر على الحاجات الآنية، وإنما تعدى ذلك إلى تأمين كفاية العمر الغالب- كما هو مذهب الشافعية وأحمد في رواية- ومن صور ذلك إذا كان الفقير يحسن الكسب بحرفة أعطي آلاتها، بحيث يحصل له من ربحها ما يفي بكفايته غالباً، فإن كان نجاراً أعطي ما يشتري به آلات النجارة، وإن كان تاجراً أعطي رأس مال يفي ربحه بكفايته، ويراعي في رأس مال التجارة نوع التجارة التي يحسنها، قال الإمام الرملي:" ويعطى الفقير والمسكين إن لم يحسن كل منهما كسباً بحرفة ولا تجارة كفاية سنة والأصح كفاية عمره الغالب، لأن القصد إغناؤه. أما من يحسن حرفة تكفيه لائقة فيعطى ثمن آلة حرفته وإن كثرت أو تجارة فيعطى رأس مال يكفيه".

فإذا كان من له حرفة: يعطى ثمن آلة حرفة من أموال الزكاة، فما الذي يمنع أن يعلم من لا حرفة له، حرفة من أموال الزكاة.

ويتأكد هذا بأن هذا العصر شهد ثورة تقنية في مجالات الحرف والكسب، حتى أصبح من العسير على الفقير الذي لم يحظ بقدر معين من التعليم والتأهيل أن يجد فرصة عمل كريمة يعيش من خلالها عزيزا كريما لا يمد يده للآخرين، فهل نكتفي بالصورة التقليدية المتوارثة في توزيع الزكاة والتي تراجعت حصيلتها تراجعا عظيما عما كانت عليه في صدر الإسلام وتُرك الأمر للأفراد في تأديتها، حتى أصبحت لا تسد إلا حاجة يسيرة من حاجات الفقراء أم نستغل بعض الأموال الزكوية في تأهيل القادرين منهم على العمل لحرفة يعيشون من خلالها موفوري العزة والكرامة مع ما في ذلك من خدمة المجتمع الإسلامي بتقليل نسبة البطالة والعاطلين عن الكسب فيه وتحويل أفراده إلى منتجين بدلا من أن يكونوا مجرد مستهلكين؟ لا شك أن الخيار الثاني هو الذي يتفق مع روح الشريعة ومقاصدها.

الدليل الثالث: ما ثبت من تصرفه –صلى الله عليه وسلم في مال الفقير المشغول بحاجته الأصلية فيما يعود على الفقير بالمصلحة حيث باع متاع من جاء يسأله بدرهمين، وأعطاهما له، وقال اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالأخر قدوماً فائتني به، فشد رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال: اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب خمسة عشر درهماً فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة رواه أبو داود.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير