قال الموفق: " لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت، وإن كانت الوصية لغير معين كالفقراء كالمساكين أو من لا يمكن حصرهم كبني تميم أو على مصلحة كالمساجد؛ لم تفتقر إلى قبول، ولزمت بمجرد الموت، أما إذا كانت على معين، فإنها تلزم بالقبول بعد الموت ".
ومن أحكام الوصية أنه يجوز للموصي الرجوع فيها ونقضها أو الرجوع في بعضها لقول عمر (**********: InfoPopup(2,'alam')): " يغير الرجل ما شاء في وصيته "، وهذا متفق عليه بين أهل العلم، فإذا قال: رجعت في وصيتي، أو: أبطلتها ... ونحو ذلك؛ بطلت؛ لا سبق من أن الاعتبار بحالة موت الموصي من حيث القبول ولزوم الوصية؛ فكذلك للموصي أن يرجع عنها في حياته، فلو قال: إن قدم زيد؛ فله ما وصيت به لعمرو. فقدم زيد في حياة الموصي؛ فالوصية له، ويكون الموصي بذلك قد رجع عن الوصية لعمرو، وإن لم يقدم زيد إلا بعد وفاة الموصي؛ فالوصية لعمرو؛ لأنه لما مات الموصي قبل قدومه استقرت الوصية للأول وهو عمرو.
ومن أحكام الوصية أنه يخرج الواجب في تركة الميت من الديون والواجبات الشرعية كالزكاة والحج والنذور والكفارات أولا، وإن لم يوص به؛ لقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ولقول علي (**********: InfoPopup(8,'alam'))- رضي الله عنه -: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدين قبل الوصية، رواه الترمذي (**********: InfoPopup(13948,'alam')) وأحمد (**********: InfoPopup(12251,'alam')) وغيره، فدل على تقديم الدين على الوصية، وفي " الصحيح ": اقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء، فيبدأ بالدين، ثم الوصية، ثم الإرث؛ بالإجماع.
والحكمة في تقديم ذكر الوصية على الدين في الآية الكريمة، وإن كانت تتأخر عنه في التنفيذ: أنها لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض؛ كان في إخراجها مشقة على الوارث، فقدمت في الذكر، حثًّا على إخراجها، واهتماما بها، وجيء بكلمة (أو) التي للتسوية، فيستويان في الاهتمام، وإن كان الدين مقدما عليها.
ومن هنا؛ فإن أمر الوصية مهم، حيث نوَّه الله بشأنها في كتابه الكريم، وقدمها في الذكر على غيرها؛ اهتماما بها، وحثا على تنفيذها، ما دامت تتمشى على الوجه المشروع، وقد توعد الله من تساهل بشأنها أو غيَّر فيها وبدل من غير مسوغ شرعي، فقال سبحانه: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
قال الإمام الشوكاني في تفسيره: " والتبديل التغيير، وهذا وعيد لمن غير الوصية المطابقة للحق التي لا جنف فيها ولا مضارة، وأنه يبوء بالإثم، وليس على الموصي من ذلك شيء، فقد تخلص مما كان عليه بالوصية به ... " انتهى.
ومن أحكام الوصية صحتها لكل شخص يصح تملكه، سواء كان مسلما أو كافرا؛ لقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا قال محمد ابن الحنفية (**********: InfoPopup(12691,'alam')): " هو وصية المسلم لليهودي والنصراني " وقد كسا عمر بن الخطاب (**********: InfoPopup(2,'alam'))- رضي الله عنه - أخا له وهو مشرك، (5) وأسماء وصلت أمها وهي راغبة عن الإسلام، (6) وصفية أم المؤمنين أوصت بثلثها لأخ لها يهودي، (7) ولقوله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.
وإنما تصح وصية المسلم للكافر المعين كما ورد، وأما الكافر غير المعين؛ فلا تصح الوصية له؛ كما لو أوصى لليهود أو النصارى أو فقرائهم، وكذا لا تصح الوصية للكافر المعين بما لا يجوز تمليكه إياه وتمكينه منه؛ كالمصحف، والعبد المسلم، أو السلاح.
وتصح الوصية لحمل تحقق وجوده قبل صدور الوصية، ويعرف ذلك بأن تضعه أمه قبل تمام ستة أشهر من صدور الوصية إذا كان لها زوج أو سيد، أو تضعه لأقل من أربع سنين إن لم تكن ذات زوج أو سيد؛ لأن مثل هذا الحمل يرث، فالوصية له تصح من باب أولى، وإن وضعته ميتا، بطلت الوصية.
¥