5 - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وقد تنازع العلماء في سرد الصوم إذا أفطر يومي العيدين وأيام منى، فاستحب ذلك طائفة من الفقهاء والعُبَّاد، فرأوه أفضل من صوم يوم وفطر يوم، وطائفة أخرى لم يروه أفضل، وجعلوه سائغاً بلا كراهة، وجعلوا صوم شطر الدهر أفضل منه، وحملوا ما ورد في ترك صوم الدهر على من صام أيام النهى، والقول الثالث: وهو الصواب؛ قول من جعل ذلك تركا للأولى أو كره ذلك فإن الأحاديث الصحيحة عن النبي كنهيه لعبد الله بن عمرو عن ذلك وقوله من صام الدهر فلا صام ولا أفطر وغيرها صريحة في أن هذا ليس بمشروع)) مجموع الفتاوى) [22/ 302]، قلت وهو اختيار تلميذه ابن القيم رحمه الله كما في (زاد المعاد) [2/ 80 - 82].
القول الثالث
وهو جواز صيام الدهر، وهو اختيار ابن المنذر وطائفة.
- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وذهب آخرون إلى جواز صيام الدهر، وحملوا أخبار النهى على من صامه حقيقة؛ فإنه يدخل فيه ما حرم صومه كالعيدين، وهذا اختيار بن المنذر، وطائفة، وروى عن عائشة نحوه)) اهـ (الفتح) [4/ 223].
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وطائفة أخرى لم يروه أفضل، وجعلوه سائغاً بلا كراهة، وجعلوا صوم شطر الدهر أفضل منه، وحملوا ما ورد في ترك صوم الدهر على من صام أيام النهى)) اهـ (مجموع الفتاوى) [22/ 302].
- وضعف هذا القول الحافظ فقال: ((وفيه نظر لأنه e قد قال جواباً لمن سأله عن صوم الدهر: ((لا صام ولا أفطر)) وهو يؤذن بأنه ما أجر ولا أثم، ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك؛ لأنه عند من أجاز صوم الدهر إلا الأيام المحرمة يكون قد فعل مستحباً وحراماً، وأيضاً فإنَّ أيام التحريم مستثناة بالشرع غير قابلة للصوم شرعاً، فهي بمنزلة الليل، وأيام الحيض، فلم تدخل في السؤال عند من علم تحريمها، ولا يصلح الجواب بقوله: ((لا صام ولا أفطر)) لمن لم يعلم تحريمها)) اهـ (الفتح) [4/ 223].
القول الرابع
وهو: التحريم، وهو قول ابن خزيمة، وابن حزم الظاهري، ورجحه الصنعاني.
أولاً: أدلتهم: وهي أيضاً على نوعين: مرفوع وموقوف.
النوع الأول: المرفوع للنبي e، ووجه الاستدلال منه:
1 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله e(( لا صام من صام الأبد)) متفق عليه.
2 - وعن أبى موسى الأشعري عن النبي e قال: ((من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا، وعقد تسعين)) أخرجه ابن حبان في (صحيحه) [8/ 3584، إحسان]، وابن خزيمة في صحيحه [3/ 2155].
3 - وغير ذلك من أدلة أصحاب القول الثاني.
النوع الثاني: الموقوف على بعض الصحابة ومن تبعهم.
- واستدلوا أيضاً: بقول وعمل جمع من الصحابة والتابعين، منهم: عمر بن الخطاب، وعمرو بن ميمون، وعبد الله بن شداد، ومسروق وعبد الرحمن بن أبي ليلى؛ وهذه الآثار ثابتة عنهم، ومرّ ذكرها مع أدلة أصحاب القول الثاني.
ثانياً: بعض المنقول عن أصحاب هذا القول:
1 - قال أبو محمد ابن حزم: ((مسألة: وأفضل الصوم بعد الصيام المفروض صوم يوم وإفطار يوم، لا لأحد أن يصوم أكثر من ذلك أصلاً، والزيادة عليه معصية ممن قامت عليه بها الحجة، ولا يحل صوم الدهر أصلاً ... )) اهـ (المحلى) [7/ 12].
2 - قال الصنعاني: ((وقد اختلف العلماء في صيام الأبد؛ فقال بتحريمه طائفة، وهو اختيار بن خزيمة، .... ثم قال:
فالتحريم هو الأوجه دليلاً، ومن أدلته ما أخرجه أحمد والنسائي وبن خزيمة من حديث أبي موسى مرفوعا من صام الدهر ضيقت عليه جهنم وعقد بيده)) اهـ (سبل السلام) [2/ 171 - 172].
قلت: الراجح في حديث أبي موسى الوقف، فقد أخرجه ابن حبان في (صحيحه) [8/ 3584، إحسان]، وابن خزيمة في صحيحه [3/ 2155] وقال عقبه: ((لم يسند هذا الخبر عن قتادة غير ابن أبي عدي عن سعيد)).
قلت: سماع ابن أبي عدي من سعيد بن أبي عروبة بعد اختلاطه، وخالفه جماعة فرووه عن سعيد على الوقف، منهم: شعبة، وهشام الدستوائي، على تفصيلٍ قد بينته في كتابي (الحافل في فقه النوافل) طبع منه مجلد، ويسر الله الباقي.
- والقول بالتحريم مطلقاً أعده الحافظ رحمه الله شذوذاً، فقال: ((وشذَّ بن حزم فقال يحرم)) اهـ (الفتح) [4/ 223].
تفنيد أدلة المخالف
¥