تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إذَا اخْتَلَفُوا سَاغَ الِاجْتِهَادُ وَاسْتُعْمِلَ أَشْبَهُهُمَا بِالْأُصُولِ، فَإِنَّ مُرَادَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ، إذَا لَمْ يَعْلَمْ تَارِيخَهُمَا، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا وَجَبَ الِاسْتِدْلَال بِالْأُصُولِ عَلَى النَّاسِخِ مِنْهُمَا وَجِهَاتُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى النَّاسِخِ مِنْهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، وَأَنَا ذَاكِرٌ مِنْهَا طَرَفًا نَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى جُمْلَةِ الْقَوْلِ فِيهِ.

وجاء في شرح الكوكب المنير:

(وَيُعْتَبَرُ) لِصِحَّةِ النَّسْخِ (تَأَخُّرُ نَاسِخٍ) عَنْ مَنْسُوخٍ، وَإِلَّا لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ اسْمُ نَاسِخٍ (وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ) أَيْ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ مِنْ وُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: (الْإِجْمَاعُ) عَلَى أَنَّ هَذَا نَاسِخٌ لِهَذَا، كَالنَّسْخِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ سَائِرَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ.

وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: أَنَّ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ قَالَ لِحُذَيْفَةَ {أَيُّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ، إلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ} وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ يُحَرِّمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، مَعَ بَيَانِ ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى " {كُلُوا وَاشْرَبُوا} - الْآيَةَ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّ الْإِجْمَاعَ مُبَيِّنٌ لِلْمُتَأَخِّرِ، وَإِنَّهُ نَاسِخٌ لَا إنَّ الْإِجْمَاعَ هُوَ النَّاسِخُ.

(وَ) الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ طَرِيقِ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ (قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) نَحْوَ {كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا} وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا: أَنْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ مُقَرَّرًا بِدَلِيلٍ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى تَأَخُّرِ أَحَدِهِمَا، فَيَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ (وَ) الْوَجْهُ الثَّالِثُ (فِعْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ جَعَلَ الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ نَسْخَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ بِأَكْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ، وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ الْقَوْلَ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُكِيَ عَنْ التَّمِيمِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ.

لِأَنَّ دَلَالَتَهُ دُونَهُ.

كَانَ كَذَا وَنُسِخَ، أَوْ رُخِّصَ فِي كَذَا ثُمَّ نُهِيَ عَنْهُ وَنَحْوِهِمَا) كَقَوْلِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ} وَكَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ، ثُمَّ قَعَدَ} وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ كَثِيرٌ فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الرَّاوِي يُنْسَخُ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ، عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهَا، مَعَ أَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ، وَالْآحَادُ لَا يُنْسَخُ بِهِ الْمُتَوَاتِرُ؟ قِيلَ: هَذَا حِكَايَةٌ لِلنَّسْخِ، لَا نَسْخٌ، وَالْحِكَايَةُ بِالْآحَادِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا كَسَائِرِ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَأَيْضًا: فَاسْتِفَادَةُ النَّسْخِ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ، وَالضِّمْنِيُّ: يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا إذَا كَانَ أَصْلًا، كَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الشَّجَرِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ وَنَحْوِهِ (لَا) قَوْلُ الرَّاوِي (ذِي الْآيَةِ) مَنْسُوخَةٌ (أَوْ ذَا الْخَبَرُ مَنْسُوخٌ، حَتَّى يُبَيِّنَ النَّاسِخَ) لِلْآيَةِ أَوْ الْخَبَرِ.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَإِنْ قَالَ صَحَابِيٌّ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يُخْبِرَ بِمَاذَا نُسِخَتْ قَالَ الْقَاضِي: أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ قَالُوا: لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلَا يُقْبَلُ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً أَنَّهُ يُقْبَلُ، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِعِلْمِهِ، فَلَا احْتِمَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُهُ غَالِبًا إلَّا عَنْ نَقْلٍ وَقَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: إنْ كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ يُخَالِفُهَا عُمِلَ بِالظَّاهِرِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير