و أما الفقيه فإنه نَظَرَ باعتبار تعلّقه بفعل المكلف فقال: ما دلّ عليه اللفظ في الآية و هو: " و أقيموا الصلاة " نقول إذن كما قال العضد الإيجي: أن الحكم الشرعي عند الأصوليين و الحكم الشرعي عند الفقهاء في الإيجاب و الوجوب هما متّحدان بالذات مختلفان بالإعتبار " إن نسبت هذا اللفظ بكونه كلاما لله عز و جل قلت: هذا إيجاب و هو صفة له و هو حكم شرعي و إن نظرت إلى كونه متعلّقا إلى فعل المكلف هذا مدلوله هذا نظر الفقيه و كل نظر له بحثه لأن موضوع أصول الفقه هو الأدلة فحينئذ ينظر إلى نفس اللفظ هذا بحث الأصولي و موضوع الفقه هو أفعال العباد.
10 - ظاهر كلام المصنّف فيما يراه أسلم أنه يميل إلى حدّ الفقهاء و لذلك قال: قضاء الشرع يعني: ما قضى به الشرع و الذي قضى به الشرع هو مدلول خطاب الشرع.
11 - و الأولى أن يعرّف الحكم بما عرّفه به جماهير الأصوليين و هو أسلم الحدود من النقض و الإضطراب: " خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالإقتضاء أو التخيير أو الوضع ".
خطاب الله: فعال و هو مصدر و له معنيان:
- معنى مصدري: توجيه الكلام إلى الغير لقصد الإفهام و ليس هو مرادا.
-المخاطَب به فيكون في التعبير عنه بالمصدر هنا مجاز مرسل من إطلاق المصدر و إرادة اسم المفعول و عدل بعضهم عن هذه العبارة إلى قوله: كلام الله.
12 - و في إضافة الخطاب إلى الله تعالى خرج: خطاب الإنس و خطاب الجن و خطاب الرسول صلى الله عليه و سلم لأن الإضافة قيد فهي نسبة تقييدية و العلة في ذلك هو أننا نعرّف الحكم الشرعي و مصدر الحكم هو الله عز و جل " و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ".
يرد علينا إشكال في هذا المقام و هو: حصرنا للحكم في أنه خطاب الله تعالى فإنه بذلك يخرج كثير من الأدلة فحينئذ يكون الحدّ غير جامع
و الجواب: أن يقال: نمنع كونها خارجة عن الحدّ لأن خطاب الرسول صلى الله عليه و سلم راجع إلى خطاب الله تعالى و جميع السنة راجعة إلى خطاب الله " و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا " و السنة كاشفة للخطاب الإلهي و ما ثبت بالإجماع فمستنده الكتاب و السنة و كذلك القياس فهو راجع إلى الأصل و هو دليل المسألة.لذلك عدل بعضهم عن قوله: خطاب الله إلى خطاب الشارع أو خطاب الشرع.أما ما كان من اجتهاد النبي صلى الله عليه و سلم فيما لم يرد فيه نصّ فهذه ترجع إلى إقرار الله عز و جل أو تصحيحه سبحانه مثل الذي حصل في الدَّيْنِ لما قال النبي صلى الله عليه و سلم: " إلا الدّين أخبرني به جبريل آنفا ".
و قولنا: " بفعل المكلف " خرج به ما تعلّق بذات الله تعالى من أسمائه و صفاته وأفعاله و خرج به ما تعلّق بذات المكلف و خرج به ما تعلّق بالجمادات و زاد بعضهم سادسا: و هو ما تعلّق بذوات البهائم: " يجبال أوّبي معه و الطير " و معنى التعلّق: الإرتباط و قال بعضهم: الذي من شأنه أن يتعلّق.
13 - و المكلف هو: الآدمي البالغ العاقل غير الملجئ بشرطه.
14 - و فعل المكلف: الفعل: لغة: ما يقابل القول و الإعتقاد و النية و نفيه في اللغة فيه إشكال و أما في الإصطلاح: الفعل: كل ما يصدر عن المكلف و تتعلق به قدرته من قول أو فعل أو اعتقاد و يدخل في الفعل العزم المصمّم لأنه لا تكليف إلا بفعل و يدخل فيه أيضا الترك على الصحيح و الدليل على دخوله في الفعل: قوله تعالى: "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " و منه قوله تعالى: " لولا ينهاهم الربانيون و الأحبار عن قولهم الإثم و أكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون " و الصنع: فعل و زيادة فسمّى الله عدم النهي و هو ترك صنعا و من ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه و سلم: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده ".
و تعرف العرب ذلك أيضا في لغتها قال الراجز:
لئن قعدنا و النبي يعمل 00 فذاك منا العمل المضلل.
15 - بعض الأصوليين يقول: المتعلق بأفعال المكلفين و هذا ليس بسديد لأن الحكم الشرعي قد يتعلّق بمكلّف واحد كخصائص النبي صلى الله عليه و سلم.
¥