1 – عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) (31).
استدل أهل الظاهر وبعض المتكلمين بهذا الحديث على جواز امتلاك الابن لأبيه، حيث قالوا إذا صح الشراء فقد صح الملك، وهذا في الحقيقة جهل منهم بمقاصد الشريعة:
- يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:
(وذهب أهل الظاهر وبعض المتكلمين إلى أن الأب لا يعتق على الابن إذا ملكه؛ واحتجوا بقوله عليه السلام: " لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ". قالوا: فإذا صح الشراء فقد ثبت الملك، ولصاحب الملك التصرف. وهذا جهل منهم بمقاصد الشرع؛ فإن الله تعالى يقول: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} فقد قرن بين عبادته وبين الإحسان للوالدين في الوجوب، وليس من الإحسان أن يبقى والده في ملكه وتحت سلطانه؛ فإذا يجب عليه عتقه إما لأجل الملك عملا بالحديث "فيشتريه فيعتقه"، أو لأجل الإحسان عملا بالآية. ومعنى الحديث عند الجمهور أن الولد لما تسبب إلى عتق أبيه باشترائه نسب الشرع العتق إليه نسبة الإيقاع منه) (32) ..
2 - عَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ: {غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا.
فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ، إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَيْسَ أَحَدٌ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ} (33) ..
قد يُستدل بهذا الحديث على حرمة التسعير للإمام مطلقًا مهما كانت الظروف .. ..
لكن راعى العلماء رحمهم الله مقاصد الشريعة في ذلك، فقالوا إن كان الغلاء بسبب العرض والطلب أي كان غلاء طبيعيًا فليس لولي الأمر التسعير، أما إن كان سببه الاحتكار والاستغلال فهنا يجب على الحاكم التدخل:
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في
مخمصة. فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة) (34) ..
- وقال رحمه الله أيضًا: -
(ومن هنا يتبين أن السعر منه ما هو ظلم لا يجوز ومنه ما هو عدل جائز فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم: فهو حرام.
وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل: فهو جائز، بل واجب. فأما الأول فمثل ما روى أنس " قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله لو سعرت؟ فقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال "، رواه أبو داود والترمذي وصححه. فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم وقد ارتفع السعر إما لقلة الشيء وإما لكثرة الخلق: فهذا إلى الله. فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق. وأما الثاني فمثل أن تنفع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل فيجب أن يلتزموا بما ألزمهم الله به. وأبلغ من هذا أن يكون الناس قد التزموا ألا يبيع الطعام أو غيره إلا أناس معروفون لا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم، فلو باع غيرهم ذلك منع إما ظلمًا لوظيفة تؤخذ من البائع، أو غير ظلم، لما في ذلك من الفساد فههنا يجب التسعير عليهم بحيث لا يبيعون إلا بقيمة المثل ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء) .. (35) ..
3 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) (36) ..
قد يُفهم من هذا الحديث الشريف حرمة سفر المرأة دون محرم مطلقًا ..
لكن علماءنا الذين استعانوا في فهمه بالمقاصد الشرعية رأوا خلاف ذلك:
- قال الإمام البغوي رحمه الله تعالى:
(لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض (37) إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة) (38) ..
إذن ففرار المسلمة من دار الكفر إلى دار الإسلام يجوز من غير المحرم؛ لأن فيه حفظًا للدين، وحفظها من أهم مقاصد الشريعة ..
وسفر الأسيرة التي هربت أو غيرها ممن تعرضت لضرورة جائز دون محرم لأن فيه حفظًا للنفس والعرض وغيرهما من مقاصد الشريعة الإسلامية ..
¥