القول الأول: لا يكون إجماعاً ولا يرتفع الخلاف وبه قال أكثر الحنابلة ونص عليه أحمد وهو ظاهر كلامه كما في رواية المرُّوذي وأبي الحارث ويوسف بن موسى قال: ينظر إلى أقرب القولين وأشبهها بالكتاب والسنة، واختاره القاضي أبو يعلى وابن قدامة، وبه قال أبو الحسن الأشعري وهو قول أكثر الشافعية كأبي بكر الصيرفي وأبي حامد المروزي والباقلاني والجويني والغزالي والآمدي والشيرازي من الشافعية وبه قال الأبهري وأبو تمام وابن خويز منداد من المالكية.
القول الثاني: يكون إجماعاً ويرتفع الخلاف به وهو قول أكثر الحنفية واختاره منهم السرخسي والشاشي وهو قول أكثر المالكية واختاره منهم الباجي والقرافي وابن جزي الغرناطي، وهو اختيار أبي الخطاب والطوفي وابن بدران من الحنابلة، وبه قال القفال الشاشي وابن خيران والفخر الرازي والنووي من الشافعية،، وبه قالت المعتزلة كالجبائيين وأبي عبد الله البصري، وحكاه الباقلاني عن أبي الحسن الأشعري.
أدلة القولين:
أدلة القول الأول: استدل من قال لا يكون إجماعاً ولا يرتفع الخلاف بأدلة منها:
1 – قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}
وجه الاستدلال: أوجب الرد إلى كتاب الله تعالى عند التنازع وهو حاصل؛ لأن حصول الاتفاق في الحال لا ينافي ما تقدم من الاختلاف فوجب فيه الرد إلى كتاب الله تعالى.
وأجيب عنه بجوابين:
الأول: أن التعلق بالإجماع ردٌّ إلى الله والرسول.
الثاني: أن أهل العصر الثاني إذا اتفقوا فهم ليسوا بمتنازعين فلم يجب عليهم الرد إلى كتاب الله؛ لأن المعلق بالشرط عدم عند عدم شرطه.
2 - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ".
وجه الاستدلال: أن ظاهره يقتضي جواز الأخذ بقول كل واحد من الصحابة ولم يفصل بين ما يكون بعده إجماع أو لا يكون.
وأجيب عنه بأجوبة:
الأول: أن هذا حديث ضعيف جداً بل حكم عليه بعضهم بالوضع (أخرجه عبد بن حميد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه حمزة النصيبي ضعيف جداً، ورواه الدارقطني في غرائب مالك وفيه مجهولون ولا يثبت من حديث مالك، ورواه البزار من حديث عمر رضي الله عنه وفيه عبد الرحمن بن زيد العمي كذاب ورواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه جعفر بن عبد الواحد كذاب، قال البزار: هذا الكلام لم يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وقال ابن حزم: هذا خبر مكذوب موضوع باطل، وضعفه ابن تيمية وابن القيم والحافظ ابن حجر وقال الألباني موضوع).
الثاني: أن هذا محمول على النقل لا على الرأي والفتيا كما قال المزني وابن عبد البر وغيرهما.
الثالث: أنه لا يجوز الاقتداء بالصحابة في ذلك بعد انعقاد الإجماع فكذلك هنا.
3 - أن الأمة إذا اختلفت على القولين واستقرَّ خلافهم في ذلك بعد تمام النظر والاجتهاد فقد انعقد إجماعهم على تسويغ الأخذ بكل واحد من القولين باجتهادٍ أو تقليدٍ، وهم معصومون من الخطأ فيما أجمعوا عليه فلو أجمع من بعدهم على أحد القولين على وجه يمتنع على المجتهد المصير إلى القول الآخر ففيه تخطئة أهل العصر الأول فيما ذهبوا إليه.
4 - أنه قد ثبت أن أهل العصر الأول إذا اختلفوا على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث وأهل العصر الأول لما اختلفوا لم يكن القطع بذلك الحكم قولاً لواحد منهم فيكون القطع بذلك إحداثاً لقول ثالث وأنه غير جائز.
أدلة القول الثاني: استدل من قال يكون إجماعاً و يرتفع الخلاف بأدلة منها:
1 – أن هذا اتفاق جميع الأمة وجميع المؤمنين وعموم الأدلة تقتضي أنه إجماع ولا دليل على تخصيصه بما لم يسبقه خلاف.
وأجيب عنه بجوابين:
الأول: أن هذا يمكن أن يستدل به عليكم وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على جواز الاجتهاد في الحادثة وجواز تقليد كل واحد من الفريقين فمن قطع الاجتهاد فيه فقد ترك سبيل المؤمنين وكان الوعيد لاحقاً به.
الثاني: أن هذه النصوص عامة مخصوصة بإجماع الصحابة على تجويز الأخذ بالقولين ومنع الإجماع فيه على أحدهما ضمناً.
¥