تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو مسلم التكسبتي]ــــــــ[30 - 04 - 08, 09:32 م]ـ

جزى اللّه الإخوة على ما بذلوا من طرح في الموضوع وحتّى أقاسمهم الأجر ـ إن شاء اللّه ـ سطّرت ما يلي:

الواجب على الجميع تنوير المواضيع بحجج الشرع وفهم السلف فإنّ فيها البركة والخير الكثير، لا أن نسوّدها بذكر التخاليط في نقل الأقوال العارية من الدليل والمسبوكة بعلم الكلام التي يحفى فيها رأس طالب العلم قبل أن تحفى رجلاه ثمّ يخرج المسكين صِفْر اليدين:) كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ (الرعد14

ولتمشيط الموضوع يجب أن يستقرّ في العقل السّليم أنّ الحَكم هو اللّه عزّ وجلّ الذي شرع الأحكام لخلقه وأنشأها وثبّتها وأوجبها لصلاح العباد في المبدإ والمعاد فلا حكم إلاّ بما حكم به ولا دين إلاّ ما شرعه وما سوى حكمه فشرك وكفر نعوذ باللّه من الضلالة، وأنّ الدين قد اكتمل والنصوص وافية بحمد اللّه لكلّ قضيّة في الحياة البشريّة ومحلّ بسط هذا الكلام في غير هذا الموضع وإنّما اللّبيب بالإشارة يفهم، فلا نعزل مواضيعنا عن قضيّة الإيمان ومنه هذا الإجماع المحكيّ بعد الخلاف فلا يتصوّر المؤمن بحال من الأحوال أنّ التّشريع وسنّ الأحكام حقّ للأمّة أيضا أو أنّ المجتهدين لهم نصيب في هذا الحقّ كلاّ وقد قال تعالى:) وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (الكهف 26 فما هم إلاّ أدلاّء على الحقّ أعوان على الخير أسباب في الهداية يرحم اللّه المستقدمين منهم والمستأخرين، وعلى هذا فأقوال أهل الإجماع والمفتين والحكّام وغيرهم، إنّما اتّبعت لكونها تدل على طاعة الله ورسوله، وإلا فلا تجب طاعة مخلوق لم يأمر الله بطاعته، وطاعة الرسول طاعة لله، وهذا حقيقة التوحيد الذي يكون كله لله، ومنه لا يصحّ إجماع بدون مستند نصّي من الكتاب والسّنّة هذا هو ضابط التوحيد وهذا هو الحفظ من الخطأ، وإلاّ فقل قد زلّت القدم، فاتباع خطأ من أخطأ باطل وأما صواب المصيب في الدين، فإنما هو باتباع النص، فالنص هو المتبع حينئذ لا قول الذي اتبع النص، وإنما يجب اتباع النص سواء وافقه الموافق أو خالفه المخالف، قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء 59 فإن وقع إختلاف بين الرعيّة وأولياء الأمور ـ الحكّام منهم والعلماء ـ وهذا كائن لإخبار اللّه عنه في الآية، فالواجب الردّ إلى كتاب اللّه وإلى سنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وهذا مقتضى القول بأنّ الإجماع متّبع لدلالته على طاعة اللّه بشرط وجود النّص أو اندراج القضيّة في نصّ عام لدلالة الإيمان والطاعة في سياق الآية السالفة وإلاّ فما فائدة النداء والأمر فيها، فلو تصوّر إجماع على خلاف النصّ لكان إجماعهم على خلاف مقتضاه خطأ، وهو غير متصوّر من الأمّة ولا جائز أن يكون.

أمّا وقوع الإجماع بعد الخلاف فمتصوّر لأنّه يدلّ على ظهور الحقّ بعد إلتباسه لكن لا تجتمع الأمّة على الخطأ أبدا وأعني به هنا غياب النصّ عن الأمّة جمعاء قبل الإجماع، بل يكفي تحقيق الحفظ في العمل بالنّصّ ولو من واحد من الأمّة، فالنّص دائما محفوظ منذ زمن تشريعه ولا شكّ في ذلك، لكن قد يغيب على الأقلّية تارة وعلى الأغلبيّة تارة أخرى إبتلاء من ربّ العالمين وله في ذلك الحكمة البالغة:) قُُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (الأنعام 149.

ثمّ إنّ الإتّفاق بعد الخلاف لا يرفع الخلاف المتقدم إذا كان طريقه اجتهاد الرأي فهو أشبه بفتوى أحاديّة تحتمل الصواب والخطأ وذلك لتدخّل عاملي الزمان والمكان ولا يعتبر أبدا إجماعا، فالإجماع لا بدّ له من مستند والإجتهاد الجديد لا يبطل القديم إذا كانا يدوران معا في الظنّي من الدلالة لأنّ الحق مقترن بكلّ منهما، وكذلك لو كانا عاريين من الدليل لأنّهما سواء في ضعف المأخذ، والحُكْم لا بدّ له من دليل، قال تعالى:) قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (البقرة 111.

ومن الآثار السلفيّة في مثل هذه القضيّة ومنها يطمئنّ القلب لمتّبع الكتاب والسنّة على فهم السّلف ما جاء في قصّة خلافة الصدّيق رضي الله عنه فإنهم اختلفوا، فقال الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير (وانتبه هنا للخلاف) ثمّ أجمعوا على ولاية الصدّيق (وانتبه هنا للإجماع) لمّا تكلّم فقال:" واللّه لقد عَلِمْت يا سَعْد أَنَّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: وأنتَ قاعِد: قُرَيْش وُلاّة هذا الأَمْر، فقال له سَعْد: صَدَقْت "، فكان إجماعا صحيحا، ومثله في قتال مانعي الزكاة فاستقرّ الإجماع بعد الخلاف وما ذلك إلاّ ببركة النّص، فإن قيل: هذا فيمن كان حاضرا من المخالف ثمّ استقرّ رأيه معه فوافقه، فالجواب: أنّ الميت في حكم الباقي الموجود والأقوال لا تبطل بموت قائليها، وباللّه التوفيق.

وأخيرا أشير إلى أنّ في إمكانيّة وقوع الإتفاق بعد الخلاف أو ما يسمّى بولادة الإجماع الحديث بعد عصر الصّحابة يلزمه مسعى كبير في التحقيق والإستقراء فإنّه ليس بالأمر الهيّن، هذا ما جادت به القريحة فإن كنت مُصِيبا فمن اللّه وإن كنت مُصِيبة فمن القرين الذي لا يأمر بخير أسأل اللّه السّلامة والمغفرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير