تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الدراسة قاصرة على النظر في كل عنصر على حدة ما كان ليصل إليها8.

هذا ورغم أن المذهب المالكي ينتمي إلى هذه المدرسة، مدرسة المتكلمين، بمعنى أن المرجعية التي تستند إليها هذه المدرسة هي عينها التي يستند إليها، والآليات التي تستعملها في الاستنباط هي عينها التي يستعملها المذهب المالكي ... فإننا مع ذلك نجد هذا المذهب له خصوصيات يتفرد بها داخل هذه المدرسة، لأنه إذا لم تكن له تلك الخصوصيات لن يكون مذهبا قائما بذاته ولن يكون له كيان يعرف به، وتتجلى خصوصياته أكثر ما تتجلى في:

أولا: كثرة الأصول ومصادر الاستنباط، حيث يجد الباحث أن الأصول عند الحنفية لا تتجاوز: الكتاب، والسنة والإجماع، والقياس، والاستحسان، والعرف، ويجدها كذلك عند الشافعية لا تعدو: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس. بينما هي عند المالكية أكثر من ذلك "فأقل عدد أحصوه لها تسعة هي: الكتاب، والسنة، والإجماع، وإجماع أهل المدينة، والقياس، والاستحسان والعرف، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع"9. ولا يخفى أن كثرة الأصول تساعد المشرع كثيرا في استيعاب النوازل والأحداث.

ثانيا: إن من يتأمل هذه الأصول التي يعتمدها المذهب المالكي بصفة عامة، يجد أن ما يميزها هو انطلاقه فيها من المصلحة "سواء ألبست المصلحة لبوس القياس وحملت اسمه، أم ظهرت في ثوب الاستحسان وحملت عنوانه، أم كانت مصلحة مرسلة، لا تحمل غير اسمها ولا تأخذ غير عنوانها"10 أم ظهرت في الغايات والثمرات التي يتجه إليها الفقيه في استنباطاته كسد الذرائع، بل يجد حتى الأصول التي يشارك المالكية الحنفية في الأخذ بها تتسم بميزة المصلحة، بمعنى أنه إذا كان الاستحسان عند الحنفية ضربا من القياس، إذ هو "العدول عن موجب القياس إلى قياس أقوى منه، ولذلك أطلقوا عليه القياس الخفي"11 - فإنه عند المالكية يعني "الالتفات إلى المصلحة والعدل"12 أو "الأخذ بمصلحة جزئية في مقابل دليل كلي"13، ثم إذا كان العرف لا يلتفت الحنفية إليه إلا إذا كان عاما وشاملا كالاستصناع، ودخول الحمام، والشرب من السقاء14 فإنه عند المالكية أكثر احتراما "لأن المصالح دعامة الفقه المالكي في الاستدلال، ولا شك أن مراعاة العرف الذي لا فساد فيه ضرب من المصلحة، لا يصح أن يتركه الفقيه، بل يجب الأخذ به"15، حتى ولو كان قاصرا على بلد أو طائفة. جاء في المدونة الكبرى: "وسألت مالكا عن المرأة ذات الزوج أيلزمها إرضاع ابنها؟ قال نعم يلزمها إرضاع ابنها، على ما أحبت أو كرهت إلا أن تكون ممن لا تكلف ذلك، قلت لمالك: ومن التي لا تكلف ذلك؟ قال المرأة ذات الشرف واليسار الكثير التي ليس مثلها ترضع وتعالج الصبيان في قدر الصبيان، فأرى ذلك على أبيه وإن كان لها لبن"16.

وبذلك يتبين أن الإمام مالكا قد خصص العموم الوارد في قوله تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين" [سورة البقرة/الآية: 231]، بما كان القوم متعارفين عليه في المدينة المنورة من أن المرأة المترفة ليس واجبا عليها إرضاع وليدها وإنما هو واجب على الآباء إلا أن يرفض الوليد غيرها، أو لا توجد له مرضع.

ثالثا: وتتجلى خصوصيات المذهب المالكي أكثر ما تتجلى في هذا النوع من القياس الذي يقطع فيه الإمام مالك شوطا أبعد من كافة الأصوليين، حيث نجده يقرر أن الحكم الثابت في الفرع يصح أن يقاس عليه، لأنه بعد ثبوت الحكم في الفرع يصير الفرع أصلا "وإنما سمي فرعا ما دام مترددا بين الأصلين، لم يثبت له الحكم بعد"17، والفرع الآخر هو بدوره يصير أصلا بعد ثبوت الحكم فيه، ويجوز القياس عليه أيضا، وهكذا إلى ما لا نهاية. ولا يشترطون في صحة هذا النوع من القياس إلا تعذر القياس على الأصول الواردة في الخطاب "فإذا نزلت النازلة ولم توجد لا في الكتاب ولا في السنة ولا فيما أجمعت عليه الأمة نصا، ولا شيء من ذلك علة تجمع بينه وبين النازلة، ووجد ذلك فيما استنبط منها، أو فيما استنبط مما استنبط منها، وجب القياس على ذلك"18. ويرى ابن رشد الجد ... أن هذا المعنى مما اتفق عليه مالك وأصحابه، ولم يختلفوا فيه على ما يوجد في كتبهم من قياس المسائل بعضها على البعض، وهو صحيح في المعنى وإن خالف فيه مخالفون"19.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير