تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال زيد: لم يقل أحد من العقلاء فضلا عن العلماء سالفهم أو خالفهم، بأن هناك في السنة ما هو أشد ثبوتا من القرءان! ولم نخالف في كون المتواتر أشد ثبوتا! ولم نزل نقول في أحاديث الآحاد أن هذا أثبت من ذاك، وهذا أقوى من ذاك، وخبر فلان أقوى من خبر فلان، وهذا نقبله ان لم يخالف من هو أوثق منه، وما الى ذلك مما في مصطلح أهل تلك الصنعة المباركة! وهذا عام عندنا في كل خبر، لا نفرق فيه بين خبر العقيدة وخبر الأمر والنهي! اننا نقول أن الخبر ما دام منقولا عمن يوثق به – فدرا كان أو جماعة – ولم يقم في مقابله ما هو أشد ثبوتا منه في تلك المسألة بعينها، فهو حجة يجب قبولها والعمل بها، أيا كانت مادة ذلك الخبر! فما دام ينسبه ثقة ضابط الى مثله الى صاحب الوحي، ولا نجد بين أيدينا ما هو أقوى منه ثبوتا، فلا يجوز لنا أن نرده ونرفضه لأن عقول بعضنا لا تقبله أو لغير ذلك من الحجج الواهية! وان كنت ترد هذا الخبر الذي استشهدت لك به في امر واقعة الجبل لأنه ليس متواترا، فتعال نتأمل في عدد الأحاديث التي ستردها لمجرد تلك الحجة، وما سيبقى لك من أمر دينك من بعد ذلك!! وان كنت ترده لأنك ترى ضعف واحد من رواته أو حو ذلك، فمرحبا بك في صنعة أهل الحديث، الذين يتخللون الرواة ويمحصونهم تمحيصا لم تعرف البشرية مثله، تمييزا للصادق من الكاذب من غير ذلك!

نحن لم نقل خذوا الخبر من أي أحد أيا كان! هذا لا يقول به عاقل فضلا عن عالم مسلم! وانما نقول حققوا في صدق الناقلين، وابحثوا عن طرق ذلك الخبر ورواته والناقلين له، واستعملوا في ذلك سبل التحقيق في الرجال وأحوالهم، فاخلصوا من ذلك – وبذلك فقط لا بالاستشكال العقلي على مضمون الخبر – الى قبول الخبر أو رده! والا فكل صاحب استشكال عقلي سيقيض له الرب من هو أعقل وأفهم منه ليرد له على استشكاله والعقول تتفاوت وليس الناس فيها على السواء!

ان اشتراط التواتر لقبول الخبر في أي باب كان، هذا ليس للقائل به حجة من عقل أو نقل! فكيف بالتفريق في ذلك بين ما كان في العقائد وما كان في الأحكام؟؟ أما قول بعض أهل العلم بأن خبر الواحد لا يفيد العلم وانما يفيد الظن، فهذا لا يراد به – فيما نفهمه بجلاء من كلامهم - أنه لا يوجب القبول والعمل بما فيه! وانما يراد أن الظن يتطرق اليه وهو محتمل فيه .. ونقول فان لم تجدوا في بابه ما هو أثبت وأوثق منه، فكيف وبأي حجة تحيدون عن الأصل، والذي هو غلبة الظن، والتي تقول بأنه ما دام هذا ثقة يروي عن ثقة، فالأصل فيما معه الصحة والسلامة مما يحتمل وقوعه من وهم أو خطأ أو نحو ذلك؟؟ أليس الأصل حسن الظن بالمسلم الذي لم يعرف عنه الكذب؟ فكيف بمن شهد له أقرانه من العلماء بالعدالة والورع وكذا وكذا؟؟ أرجو منك الجواب على هذا السؤال!

قال عمرو: سلمنا لك بأن الأصل حسن الظن، والأصل في المسلم الصدق وضبط الخبر ما لم يثبت ضد ذلك، ولكن اذا تفرد الناقل لخبر ما – على عظم ما يقتضيه ذلك الخبر – بما ينقل ولم تتواتر الأخبار بمثله عن غيره، ألا يعني ذلك ورود الاحتمال؟ ألا ترى أنه اذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال؟

قال زيد: لم يزل الصحابة والتابعون يقبلون خبر الواحد ويعملون به، ولم يقل أحدهم بأن ورود الاحتمال عليه في باب دقة النقل هو أمر يمنع من قبوله والعمل به! الا ان كان ذلك الاحتمال واردا بسبب قلة ضبط الراوي وكان هذا معلوما عنه أو محتملا منه هو بالتحديد! والا فلو كان أهل صنعة الرجال ونقد الرواة لا يعلمون عن الراوي الا الدقة والضبط فضلا عن العدالة، أو كان غالب أمره الدقة وهو عدل، أو غير ذلك من مراتب الرجال المعتبرين في الرواية عند أهل الحديث، وصولا الى الصدوق الذي يهم، كل هؤلاء لو لم يأتنا في الباب خبر الا منهم، لم يجز لنا أن نرده بحجة أنه ربما يكون قد وهم فيه أو نسي أو أخطأ! فالأصل في المسلم الصدق والأصل في خبره الضبط. ولهذا كان الحديث الحسن حجة عند انفراده في الباب، لا يختلف في ذلك عن الحديث الصحيح اذا انفرد فيه! أما كلامك عن مسألة ورود الاحتمال وافساده للاستدلال، فمنطوقه لا علاقة له بما تريد، فهو يقول الاستدلال، والاستدلال أمر يتعلق بأفهام أهل النظر والاجتهاد وكيفية استقرائهم للنص أو الخبر واستنباطهم لما فيه! أما أصل حجية النص نفسه من جهة راويه، فهذه مسألة لا يقال فيها أن ورود احتمال الخطأ على رواية الواحد يسقط حجيتها أو يخرق الأصل الذي هو العدالة والضبط!

يا أخي نحن أتباع أثر، لا نأخذ الدين – عقيدة وأحكاما، خبرا وانشاءا – الا من أثر السابقين الذين احتملوه عن النبي الأمين، صلى الله عليه وسلم! فان كان السلف قد قبلوا خبر الواحد الثقة وعدوه حجة عند فقد الدليل، وقبلوه وان كان يتفرد به من يقع عنده وهم أو قلة ضبط من الثقات العدول، ولم يتكلفوا البحث عن تواتر – وقلما يقع التواتر أصلا - فبأي حجة تأتي أنت الآن لترده أو لتجعل ذلك قاصرا على باب من أبواب الدين دون غيره، وتشترط التواتر في قبول الخبر، أي خبرا، فضلا عن جعل ذلك في العقائد بالذات؟؟ بل انظر الى قبول الصحابة لخبر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بما هو واقع منه عليه السلام في بيوتهن، وأحواله التي لا يمكن أن تأتي الينا من طريق الا طريقهن! أليست هذه الأخبار من جهة الواحدة منهن معدودة من أخبار الآحاد؟ فان رددتها فمن أين تأتي بما يغنيك عنها؟؟؟ ومن الذي قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مطلوبا منه ألا يكون في كل كلمة يقولها الا ملقيا اياها على جموع المسلمين - تلك الجموع التي لا يتصور تواطؤها على الكذب - حتى يأخذ الناس منها الخبر متواترا في العقائد أو في الأحكام أو في كلاهما؟؟ وفي كم مسألة من مسائل الدين تحقق ذلك، من عقائد أو من غيرها؟؟

عند هذا الحد، سكت عمرو وتوقف عن الكلام .... وقال زيد مختتما: ليس لك حجة على ما تريد، فيا أخي أنا أدعوك الى مراجعة موقفك هذا، هداك الله وأصلحك ..

وأما أنا – أبو الفداء - فأترك الباب مفتوحا لمن كان يرى أن هناك مخرج لعمرو مما هو فيه .. فماذا ترون عمروا يقول بعد هذا؟

الحمد لله الذي يظهر الحق ويبطل الباطل، والله المستعان على ما يصنع الظالمون ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير