ولو كان الأمر انتهى لهذا الحد، لكان الأمر هينا ً، وما هو- ورب الكعبة – بهين، لكن الأمر تطاول إلى عقيدة السلف الصالح، ثم لما كان الدكتور أعطي من تسهيل للعبارة وسهولتها ما جعل كتبه ملاذاً لكثير ممن يُدّرِّس مادة أصول الفقه في الجامعات – ممن لا يحسن هذا الفن - فاعتمدوه في التحضير لشروحهم، وبعضهم صار يقرره , فوقفت فيها على ما قفَّ له شَعْرِي، واقشعر له بدني، مما جعلني أتأكد أنه غير مميز لمذهب السلف من غيره، والسبب فيها والله أعلم أنه اعتمد في تلقيه العلم على الطريقة الأكاديمية في الجامعة، ولم يُعرف بثني الركب على أهل العلم، ولعل عهده بكتب العقيدة أيام دراسته الجامعية!!
وإني والله حين أكتب هذه الأسطر إنما أريد تنهبيه إخواني مما يجدونه في كتبه، وأن لا يتعمدوا على ترجيحه، وليس قصدي التشفي منه أو التنقص له، وأسأل الله أن يصل هذا الكلام له، فينتفع به!!
وحتى لا تطول المقدمة أذكر بعض ما وقت عليه من المسائل.
1 - حين تقرأ في كتب الدكتور النملة تلاحظ خلو عامة كتبه من ذكرٍ للأشاعرة، وكأنها فرقة لم تكن!!، بينما تجد ردوده على المعتزلة واستدلالاتهم كثيراً، وهذا من العجب العجاب، بل أعجب منه أنه يرد علي المعتزلة بأقوال الأشاعرة!!
وإليكم المثال:
لما ذكر مسألة حكم الأشياء قبل ورود الشرع في تحقيقه لروضة الناظر (197: 1)، قال: هذه المسألة متفرعة عن قاعدة المعتزلة المشهورة (التحسين والتقبيح العقليين)، حيث إنه لما أبطل الجمهور قاعدة المعتزلة تلك: لزم من إبطالها: إبطال حكم الأفعال قبل ورود السمع والشرع، فالجمهور (؟؟) يبحثون هذه المسألة على سبيل التسليم الجدلي بما قاله المعتزلة، لذلك يسمونها مع مسألة (شكر المنعم عقلاً) بمسائل التّنَزل.اهـ
لاحظ أنه أدخل الأشاعرة في الجمهور، ولم يميز بينهم وبين مذهب اهل السنة والجماعة!!
ثم لما ذكر ابن قدامة القول الثالث في مسألة " حكم الأشياء قبل ورود الشرع "، وهو القول بالتوقف علق بقوله (1:200) الحاشية رقم (3) بعد أن ذكر أن الغزالي ذهب إلى الوقف، وكذلك (الإمام) الرازي، والآمدي قال: وبعض الحنفية وأهل السنة والجماعة وكثير من أهل العلم ".
وانظر رعاك الله كيف نسب القول بالوقف لأهل السنة، ولم يذكر في إحالاته إلا كتب الأصول الأشعرية، ولم يذكر ما انبنى عليه قول الأشاعرة فضلا أن ينكره، بل يقرر في كتبه أن التحسين والتقبيح بالشرع.
وهذه المسألة، وهي «حكم الأشياء قبل ورود الشرع» مبنية على مسألة " التحسين والتقبيح "، ولما كان الأشاعرة يرون أن التحسين والتقبيح بالشرع فقط = كان قياس قولهم أنه يتوقف في حكم الأشياء قبل ورود الشرع، ولما رجح ابن النجار الفتوحي في شرح الكوكب المنير أن حكمها الإباحة مع أنه قرر سابقاً طريقة الأشاعرة في التحسين والتقبيح = أورد على نفسه إيراداً، فقال:
«إذا تقرر هذا: فقد نقل عن بعض العلماء أنه قال: من لم يوافق المعتزلة في التحسين والتقبيح العقليين , وقال بالإباحة أو الحظر: فقد ناقض. فاحتاج من قال بأحد القولين إلى استناد إلى سبب غير ما استندت إليه المعتزلة , وهو ما أشير إليه بقوله (بإلهام) قال الحلواني وغيره: عرفنا الحظر والإباحة بالإلهام , كما ألهم أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أشياء ورد الشرع بموافقتهما (وهو ما يحرك القلب بعلم يطمئن) القلب (به) أي بذلك العلم حتى (يدعو إلى العمل به) أي بالعلم الذي اطمأن به (وهو) أي الإلهام (في قول: طريق شرعي) حكى القاضي أبو يعلى في الإلهام: هل هو طريق شرعي؟ على قولين. وحكي في جمع الجوامع: أن بعض الصوفية قال به. وقال ابن السمعاني نقلا عن أبي زيد الدبوسي وحده أبو زيد بأنه ما حرك القلب بعلم يدعوك إلى العمل به من غير استدلال ولا نظر في حجة. وقال بعض الحنفية: هو حجة بمنزلة الوحي المسموع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. واحتج له بقوله تعالى (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) أي عرفها بالإيقاع في القلب , وبقوله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) وبقوله صلى الله عليه وسلم (الإثم ما حاك في الصدر , وإن أفتاك الناس وأفتوك (فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة قلبه بلا حجة أولى من الفتوى
¥