تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[10 - 06 - 08, 09:26 م]ـ

الثالث: علم البيان:

وهو ثالث علوم العربية تدوينًا بعد عِلمَىْ النحو واللغة.

أ – موضوعه: اعلم أن علوم النحو، والصرف، واللغة تتناول الكلمة المفردة، أما علم البيان فموضوعه الكلام المركب.

فعلم النحو ينظر في إعراب الكلمة، وعلم الصرف ينظر في بنية الكلمة، وعلم اللغة ينظر في معنى الكلمة، أما علم البيان فينظر في معنى الكلام المركب من أكثر من كلمة، من حيث موافقته لأساليب العرب في تركيب الكلام ليؤدي المعنى المطلوب بحسب حال السامع والمتكلم وظروف الكلام.

فجملة (زيدٌُ أخي) مركبة من كلمتين، والعرب يغيّرون تركيبهما باختلاف الأحوال، فقولي: (أخي زيدٌُ)، يختلف عن قولي: (زيدٌُ أخي)، ويختلف عن قولي: أن زيدًا أخي، ويختلف عن قولي: (إن زيدًا لأخي).

فالقول الأول خطاب لمن يعلم أن لي أخًا ويريد تعيينه، والقول الثاني خطاب لمن يعرف زيدًا ويجهل أنه أخي، والقول الثالث خطاب لمن يتردد، أو يشك في أن زيدًا أخي، والقول الرابع خطاب لمن ينكر أن زيدًا أخي.

والخطاب في الأحوال الأربعة مركب من نفس الكلمتين، ولكنه اختلف في التقديم والتأخير واستخدام المؤكدات ليوافق مقتضى الحال وهو اختلاف أحوال المخاطب هنا، وهذا هو معنى قول القائل (لكل مقام ٍ مقال).

ومثاله في التنزيل قوله تعالى:

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) (يّس:13 - 16). فقال في المرة الأولى (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) وفيها مؤكد واحد (إنّ)، وقال في الثانية (إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ)، وفيها مؤكدان (إنّ واللام) لما أصّروا على الانكار.

وقد يُنزَّل غير المنكر منزلة المنكر باعتبار معين، كما في قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ) (المؤمنون:15)؛ فهذا خطاب مؤكد بمؤكدين (إن واللام) وهو خطاب لمن ينكر وقوع الموت، ولايخفى أن أحدًا لاينكر ذلك، ولكن لما كان الناس في غفلةٍ وإعراضٍ عن العمل لما بعد الموت كانوا بمنزلة المنكرين لوقوعه.

فَعُلِمَ البيان موضوعه النظر في الكلام المركب من حيث اللفظ والمعنى جميعًا، في حين أن علوم النحو والصرف واللغة تنظر إلى الكلمة المفردة إعرابًا وبنية ومعنى على الترتيب، وإذا وافق تركيب الكلام أساليب العرب في إفادة المعنى سُمّي الكلام بليغًا، وإلا فهو ركيك.

وتُعرَّف البلاغة بأنها: " مطابقة الكلام للمعنى من جميع وجوهه بخواص تقع للتراكيب في إفادة ذلك "، أو البلاغة هى: " تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة ومراعاة التأليف الذي يطبِّق الكلام على مقتضى الحال ".

وسَمَّى علماء اللغة المتقدمون هذا العلم (بعلم البيان) كالجاحظ 255 هـ في كتابه (البيان والتبيين).

في حين سماه العلماء بعد ذلك (بعلم البلاغة) كالزمخشري 538 هـ في كتابه (أساس البلاغة)، وصار علم البلاغة مشتملاً على ثلاثة علوم وهى:

" المعاني والبيان والبديع "

والأَوْلى تسمية هذه العلوم بعلم البيان كما سمّاه الأقدمون - لا البلاغة - لأن البيان هو اللفظ الذي وصف الله تعالى به كلامه وهو أبلغ الكلام، قال تعالى (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) (يوسف:1)، و (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) (الشعراء:2)، و (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) (القصص:2). فقال سبحانه (الْكِتَابِ الْمُبِينِ) ولم يقل الكتاب البليغ، واطرد هذا في بقية الآيات كقوله تعالى (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) (الحجر:1)، وقوله تعالى (وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (النحل: من الآية103)، ولم يقل لسان عربي بليغ، هذا والله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير