تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد تتساءل وتقول: ما علاقة هذا كله بنشأة النحو العربي؟ وأقول: إن قراءة القرآن وكتابته هما أول عمل لغوي منظم يُعتنى به في تأريخ العربية، وقد اجتمع عليه العرب على اختلاف مواطنهم ولهجاتهم، يحرصون على تعلمه وقراءته على نحو ما يتعلمون. وقد أظهرت عملية التعليم الواسعة هذه ملاحظات لغوية تتعلق بالنموذج اللغوي الذي يجب أن يُحتذى، وهو لغة قريش التي أنزل بها القرآن، ونقل المؤرخون عن الصحابي أبي الدرداء أن النبي r سمع رجلا قرأ فلحن، فقال أرشدوا أخاكم [16] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875333#_edn16) . وأن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله r يقول: (رحم الله امرأ أصلح من لسانه) [17] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875333#_edn17) . فهذه الملاحظات، وهي ليس الوحيدة من هذه الحقبة فيما نعتقد، إلى جانب الحرص الدائم على تعلم القرآن وتعليمه وكتابته قد أوجدت حالة لغوية جديدة ولفتت أنظار الخلفاء الراشدين وعلماء الصحابة فأولوها عناية كبيرة، حتى صارت عملية التعليم من أهم القضايا التي شغلتهم بعد وفاة النبي علي الصلاة والسلام، كما سيتضح لك من الفقرة الآتية.

ثانيا: النشاط اللغوي في عصر الخلافة الراشدة:

إن مظاهر النشاط اللغوي في عصر النبوة استمرت في عصر الخلافة الراشدة وازدادت اتساعا وعمقا، بسبب اتساع الحاجة إليها، وازدياد حالات القصور في الأداء اللغوي التي يشار إليها في المصادر القديمة بمصطلح (اللحن). ويمكن أن نقسم مظاهر ذلك النشاط على الأقسام الآتية:

1 - تعليم القراءة وإرسال المعلمين

سنّ رسول الله r تعليم قراءة القرآن وإرسال المعلمين إلى مكان الحاجة إليهم، وكان قوله: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» [18] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875333#_edn18) يذكي روح الحماسة في نفوس المعلمين والمتعلمين. وكان أكبر مجهود قد بُذل في هذا المجال في خلافة عمر بن الخطاب t الذي جعل من ولاة الأمصار معلمين للناس، فقال في إحدى خطبه: (اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم ليعملوا الناس دينهم وسنة نبيهم) [19] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875333#_edn19) .

ومما حفظت لنا كتب التاريخ من ذلك أنه بعث إلى الكوفة عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وكتب إليهم: (إني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا، وعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا) [20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875333#_edn20) . فكان ابن مسعود يعلم أهل الكوفة قراءة القرآن [21] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875333#_edn21) ، وكذلك أرسل أبا موسى الأشعري إلى البصرة، فكان يعلمهم القرآن [22] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875333#_edn22) ، وبعث إلى الشام: أن أهل الشام قد كثروا وملؤوا المدائن واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقهم فأعنِّي يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم [23] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875333#_edn23) .

وكوّن هؤلاء المعلمون الأوائل من الصحابة نواة مدارس الإقراء في الأمصار، وكان لتلامذتهم ومن جاء بعدهم دور واضح في إرساء أسس الدراسات اللغوية العربية، وعلى رأسها علم النحو.

2 - الكتابة العربية

كان الجهد الكبير في تعليم قراءة القرآن يواكبه جهد مماثل في كتابة القرآن، فبعد أن كتب القرآن مفرقا في زمن النبي r جمع في الصحف في خلافة أبي بكر الصديق t وحُفظت الصحف في دار الخلافة في المدينة المنورة [24] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875333#_edn24). وكان المسلمون يكتبون المصاحف في الأمصار الإسلامية اعتمادا على قراءة الصحابة النازلين فيهم [25] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875333#_edn25)، إلى أن تم نسخ المصاحف في خلافة عثمان t نقلا من الصحف، وتوزيعها على الأمصار [26]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير