تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما مصطلحات (الجر والرفع والنصب) فإن ورودها في الرواية يثير تساؤلا عن وقت ظهورها واستخدامها، ويبدو أنها كانت مستخدمة قبل منتصف القرن الأول الهجري. ويؤيد ذلك رواية نقلها الحلبي جاء فيها: (وكان أبو الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي - عليه السلام - لأنه سمع لحنا، فقال لأبي الأسود أجعل للناس حروفا، وأشار له إلى الرفع والنصب والجر) [18] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875340#_edn18).

إن هذه الروايات كان ينظر إليها بعين الارتياب من قبل الباحثين المحدثين، ولكني أجد الآن أن بعضها يفسر بعضا، ويكمل بعضها بعضا. وأجد أن تفسير العربية بالحركات متناسب مع قول العلماء إن أول ما ظهر الاختلال فيه من كلام العرب كان في حركات الإعراب، وأن هذا التفسير يتلاءم مع السياق الذي وردت فيه الكلمة في الروايات القديمة المنقولة من العقود الأولى للقرن الأول من الهجرة.

فمن ذلك الرواية التي نقلها البخاري - رحمه الله تعالى - حول انتساخ المصاحف، وجاء فيها أن عثمان بن عفان t قال للصحابة الذين كانوا ينسخون المصاحف: (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسانهم، فإنما نزل بلسانهم) وجاء في رواية: (إذا اختلفتم .. في عربية من عربية القرآن) [19] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875340#_edn19).

وكذلك ما جاء في ترجمة زر بن حبيش الأسدي تلميذ عبد الله بن مسعود، عن عاصم بن أبي النجود، وهو تلميذ زر أنه قال: (كان زر بن حبيش أعرب الناس، وكان عبد الله يسأله عن العربية) [20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875340#_edn20).

وكان ابن عباس يعلِّم اللحن في رواية أبي العالية، وقال عمر بن دينار (ت125هـ): (ما رأيت مجلسا قط أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس: للحلال والحرام، وتفسير القرآن، والعربية، والشعر، والطعام) [21] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875340#_edn21)، وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وهو تلميذ ابن عباس: (كان ابن عباس قد فات الناس بخصال ... وما رأيت أحدا كان أعلم ... بشعر ولا عربية ولا بتفسير القرآن ولا بحساب ولا بفريضة منه) [22] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875340#_edn22).

فكلمة (العربية) في هذه النصوص يراد بها الإعراب الذي يُستدل عليه بالحركات الثلاث في آخر الكلمات العربية، ويكون معنى قول عمر: (تعلموا العربية) تعلموا الإعراب الذي يقتضي معرفة مواقع الكلمات في الجمل، لتحديد نوع الحركة التي تنطق في آخر الكلمة، وسبب التأكيد على الإعراب هو أن الاختلال واللحن ظهر أولا في حركات الإعراب في أواخر الكلمات [23] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=875340#_edn23)، فلفت نظر العلماء وأولي الأمر، فنبهوا الناس إليه، وأرشدوهم إلى اجتنابه، وقد غابت عنا تفصيلات ذلك الجهد المبكر في تأسيس علم العربية، وبقيت منه هذه اللمحات الدالة عليه.

وإذا صح تفسير كلمة (العربية)، المستعملة في عصر صدر الإسلام، بحركات الإعراب خاصة، كما ورد في رواية بريدة، دلت الروايات التي وردت فيها هذه الكلمة على نشاط لغوي يتصل بتركيب الجملة، لأن حركات الإعراب تتغير بتغير مواقع الكلمات في الجمل، وعلى المتكلم ملاحظة ذلك حتى يستقيم كلامه ويكون صحيحا. وقد يكون جانب كبير من هذا النشاط غير مدون. وهو أمر لا يقلل من أهمية هذه الحقبة من تأريخ علم العربية لأن تدوين المعرفة اللغوية التي تراكمت فيها قد تم بعد سنوات قليلة على يد أبي الأسود وتلامذته.

3 - النحو:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير