وهذا الفقه العظيم للشيخ عبد الرحمن قد ارتبط بالتقعيد والتأصيل؛ فله باع في أصول الفقه والقواعد الفقهية، فامتزج عنده الفقه بالفروع وربط الفروع بالقواعد، ويدل على تمكن الشيخ من هذين العلمين: أ - اختصاره لقواعد ابن رجب وهو في صغره سنة 1336هـ في كتاب أسماه: «تحفة أهل الطلب بتجريد قواعد ابن رجب» وقد وفقني الله للعناية بإخراج هذا الكتاب، وقد طبع هذا العام 1421هـ.
ب - ومن مؤلفاته في هذين العلمين، رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه هي: «الأصول الجامعة»، ومن ذلك أيضاً: «طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول».
وقد عني الشيخ عبد الرحمن رحمه الله تعالى أيضاً بالفروق والتقاسيم الفقهية، وله كتاب في ذلك هو: «الأصول والقواعد الجامعة والفروق والتقاسيم النافعة»، وقد وفقني الله عز وجل لطباعته على نسخة خطية للشيخ، ومما قاله في مقدمته: «أما بعد: فإن معرفة جوامع الأحكام وفوارقها من أهم العلوم وأكثرها فائدة وأعظمها نفعاً؛ لهذا جمعت في رسالتي هذه ما تيسر من جوامع الأحكام وأصولها، ومما تفترق فيه الأحكام لافتراق حكمها وعللها، وقسمتها قسمين ...
والقسم الثاني أتبعت ذلك بذكر الفوارق بين المسائل المشتبهات والأحكام المتقاربات والتقاسيم الصحيحة».
وقد ذكر رحمه الله في رسالته كثيراً من الفروق والتقاسيم كالفرق بين الفرض والنفل، ص 95، والفرق بين ترك المأمور وفعل المحظور، ص 98، والفرق بين شرط الموقف والموصي وغيرهما، ص 101، وغير ذلك.
ومن التقاسيم: أقسام أجزاء الحيوان، ص 106، وأقسام الحركة في الصلاة، ص 117، وأقسام اللباس، ص 116، وغير ذلك.
وقد انطبع هذا المنهج للشيخ عبد الرحمن، وانتقل إلى تلميذه الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى فقد أوضح رحمه الله منهجه وصرح به مرات عديدة أنه يسير على الطريقة التي انتهجها شيخه عبد الرحمن السعدي.
قال شيخنا: «لقد تأثرت كثيراً بشيخي عبد الرحمن السعدي في طريقة التدريس وعرض العلم، وتقريبه للطلبة بالأمثلة والمعاني».
مميزات المنهج الفقهي للشيخ ابن عثيمين: أولاً: تبنِّي الشيخ رحمه الله لآراء الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (انظر الشرح الممتع)، وعنايته بكتبهما؛ فللشيخ تعليق على اختيارات شيخ الإسلام للبعلي، ومراجعة دائمة لمجموع الفتاوى، والكتب التي تعنى باختيارات شيخ الإسلام ككتابَي الفروع لابن مفلح، والإنصاف للمرداوي، وقرأ للطلبة في دروسه السياسة الشرعية لشيخ الإسلام، وعلق عليه، وله مختارات من إعلام الموقعين، وزاد المعاد، والطرق الحكمية وثلاثتها لابن القيم.
وفي غير الجانب الفقهي: شرح للطلبة الواسطية، والحموية، والتدمرية، ومقدمة التفسير لشيخ الإسلام، والنونية لابن القيم، وغير ذلك، فأثر ذلك في علم الشيخ في دروسه وفتاويه وكتبه من حيث الاعتناء بالدليل ومعرفة رأي المخالف، ومناقشة دليله، والرد عليه، والاهتمام بمقاصد الشريعة، وضبط أصولها وكلياتها.
ولم يكن تبني الشيخ لآراء الشيخين نابعاً من تقليد أعمى، بل كان متجرداً للحق؛ فحيثما وجد الحق فهو ضالته ومطلبه، فخالف شيخ الإسلام في بعض المسائل أكثر من مخالفة شيخه السعدي لشيخ الإسلام، ومن الأمثلة على ذلك: - أن شيخ الإسلام يرى أن المتمتع يكفيه سعي واحد لحجه وعمرته، وشيخنا يرى أن المتمتع لا بد له من سعيين.
- شيخ الإسلام يرى جواز الجمع بين الأختين من الرضاع، ويرى شيخنا التحريم.
- شيخ الإسلام يرى جواز تعفير الوجه بالتراب تذللاً لله تعالى، ولم ير شيخنا هذا.
- شيخ الإسلام يرى أن للأم الثلث مع الإخوة المحجوبين بالأب، ويرى شيخنا أنَّ لها السدس.
- شيخ الإسلام يرى أن المأموم تكفيه قراءة إمامه في الصلاة الجهرية، وشيخنا يأخذ بمذهب الشافعي وهو وجوب القراءة مطلقاً.
- شيخ الإسلام لا يرى تحديد مدة النفاس بأربعين يوماً، وشيخنا يرى تحديده بأربعين يوماً.
- شيخ الإسلام يرى جواز الزيادة بين الربويين من جنس واحد في مقابلة الصنعة، ويرى شيخنا عدم الجواز.
ثانياً: الفقه المبني على الدليل، المقرون بالتعليل غالباً، وبيان الحكمة وأسرار الشريعة أحياناً.
¥