تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[زمن المسلم]

ـ[أم مجهاد]ــــــــ[01 - 05 - 03, 12:27 ص]ـ

[زمن المسلم]

بين المحافظة والتفريط

علي بن عثمان القرني

خلق الله سبحانه وتعالى الكون كله في زمن محدود، قوامه ستة أيام، لحكمة هو أعلم بها جل شأنه ولاشك أن هذا الالتزام بهذا الزمن ليس إلا ليعلم عباده التوقيت لكل أمر، والاستفادة منه، وعدم تضييع الزمن الذي يمر مر السحاب، ولا يعود أو يتوقف؛ ولإثبات مدى الأهمية العظمى للوقت، هذا النظام الإلهي لهذا الكون بجميع مكوناته، سماوات، أرض، ماء، إنسان، حيوان، نبات، هذه المعجزة التي تقف العقول حائرة أمامها.

والزمن والوقت اصطلاح متقارب، إلا أن الزمن يكون مدة قصيرة أو طويلة، أي: أن الزمن أو الزمان (مدة قابلة للقسمة؛ ولهذا يطلق على الوقت القليل أو الكثير، والجمع "أزمنة" و "الزمن" مقصورة منه، والجمع "أزمان") (1).

أما الوقت فهو: "مقدار من الزمن مفروض لأمر ما، وكل شيء قدرت له حيناً فقد "وقته" "توقيتاً" وكذلك ما "قدرت" له غاية، والجمع "أوقات" (2).

قيمة الوقت في القرآن والسنة:

لشرف الوقت وأهميته أقسم الله سبحانه وتعالى به في عدد من آيات كتابه الكريم، منها: قوله تعالى: والفجر (1) وليال عشر (2) {الفجر: 1، 2}، و والليل إذا يغشى" 1 والنهار إذا تجلى" 2 {الليل: 1، 2}، و والضحى" 1 والليل إذا سجى" 2 {الضحى: 1، 2}، و والعصر 1 إن الإنسان لفي خسر 2 {العصر: 1، 2}.

ومن الأمثلة كذلك على قيمة الوقت في القرآن الكريم: قوله تعالى: وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا 12 {الإسراء: 12}، وقوله: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا 62 {الفرقان: 62}، وقال سبحانه: وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون 12 {النحل: 12}، ومن التحسر على ضياع الوقت: ما ورد على لسان المفرطين يوم القيامة، في قوله تعالى: يا ليتني قدمت لحياتي 24 {الفجر: 24}، وقوله: ربنا أخرنا إلى" أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل 44 {إبراهيم: 44}.

وعن أهمية الوقت في السنة النبوية: ما رواه بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله {: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" (3)، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله {قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به" (4).

العلماء والوقت:

العلماء هم أكثر الناس شعوراً بأهمية الوقت، والمحافظة عليه، وقد استثمر كثير من العلماء وقتهم، وملؤوا الدنيا بعلمهم ومؤلفاتهم، ماتوا ولكن لم تمت آثارهم، ومن أولئك العلماء الأفاضل - على سبيل المثال - (الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري "ت310ه" شيخ المفسرين، والمحدثين، والمؤرخين، الذي لم يؤثر عنه أنه أضاع دقيقة من حياته من غير الإفادة والاستفادة) (5)، فقد قال عنه الخطيب البغدادي: "سمعت علي بن عبدالله بن عبدالغفار اللغوي يحكي: أن محمد بن جرير الطبري - المتوفى سنة 310ه عن ثلاث وثمانين سنة - مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم أربعين ورقة" (6)، فإذا كان يكتب كل يوم أربعين ورقة؛ فإنه بحساب السنة الميلادية سيكون قد كتب "584000" ورقة، ولاشك أن كتابيه التفسير والتاريخ يشهدان على مدى حرصه على الاستفادة من الوقت.

ومنهم أيضاً الإمام أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي -المتوفى في "597ه" رحمه الله - أحد الأئمة الأعلام الذين يقتدى بهم في حرصهم على الزمن، وعدم ضياع شيء منه، فيقول سبطه أبو المظفر عنه: "وسمعته يقول على المنبر في آخر عمره: كتبت بإصبعي هاتين ألفي مجلدة، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألف يهودي ونصراني" (7)، ويقول عنه الإمام ابن تيمية رحمه الله في أجوبته المصرية: "كان الشيخ أبو الفرج مفتياً، كثير التصنيف والتأليف في أمور كثيرة، حتى عددتها فرأيتها أكثر من ألف مصنف، ورأيت بعد ذلك مالم أره" (8)، وقال عنه الإمام الحافظ الذهبي: "وما علمت أحداً من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل" (9)، ويقول الموفق عبداللطيف - فيما نقله عنه الذهبي - إن ابن الجوزي كان: "لايضيع من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير