تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل يجب على المحدث الوضوء لمس المصحف]

ـ[ابن الريان]ــــــــ[15 - 08 - 03, 07:35 م]ـ

قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في الشرح الممتع على زاد المستقنع (المجلد الأول):

< CENTER>

( هل يجب على المحدث الوضوء لمس المصحف)

( ص263) قال داود الظاهري وبعض أهل العلم: لا يحرم على المحدث أن يمس المصحف.

والأدلة على ذلك:-

1 - أن القرآن ذِكر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه).

2 - أن الأصل براءة الذمة، فلا نؤثم عباد الله بفعل شيء لم يثبت به النص.

فإن قيل:

قوله تعالى: {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيلٌ من رب العالمين} (ص261) الضمير في قوله: {لا يمسه} يعود على القرآن، لأن الآيات سيقت للتحدث عنه بدليل قوله: {تنزيل من رب العالمين}، والمطهر: هو الذي أتى بالوضوء والغسل من الجنابة بدليل قوله: {ولكن يريد ليطهركم}.

وأيضاً: قد يأتي الخبر بمعنى النهي، بل إن الخبر المراد به النهي أقوى من النهي المجرد، لأنه يصور الشيء كأنه مفروغ منه، ومنه قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً}.

وفي السنة: (لا يبيع الرجل على بيع أخيه) بلفظ الخبر، والمراد النهي.

فالجواب:

(ص263) أن الضمير في قوله: {لا يمسه} يعود إلى الكتاب المكنون، والكتاب المكنون: يحتمل أن المراد به اللوح المحفوظ، ويحتمل أن المراد به الكتب التي بأيدي الملائكة.

فإن الله تعالى قال: {كلا إنها تذكرة () فمن شاء ذكره () في صحفٍ مكرمةٍ () مرفوعةٍ مطهرةٍ () بأيدي سفرةٍ () كرامٍ بررةٍ} وهذه الآية تفسير لآية الواقعة، فقوله: {في صحف مكرمة} كقوله: {في كتاب مكنون}، (ص264) وقوله: {بأيدي سفرة} كقوله: {لا يمسه إلا المطهرون}.

والقرآن يفسر بعضه بعضاً، ولو كان المراد ما ذكر الجمهور لقال: (لا يمسه إلا المطَّهِّرون) يعني: المتطهرين، وفرق بين المطهر اسم المفعول، وبين المتطهر اسم فاعل.

وقولهم: إن الخبر يأتي بمعنى الطلب، هذا صحيح، لكن لا يحمل الخبر على الطلب إلا بقرينة، ولا قرينة هنا، فيجب أن يبقى الكلام على ظاهره وتكون الجملة خبرية، ويكون هذا مؤيداً لما ذكرناه بأن المراد بـ {المطهرون} الملائكة كما دل على ذلك الآيات في سورة عبس.

وأما قوله: {تنزيل من رب العالمين} فهو عائد على القرآن لأن الكلام فيه، ولا مانع من تداخل الضمائر وعود بعضها إلى غير المتحدث عنه ما دامت القرينة موجودة.

ثم على احتمال تساوي الأمرين فالقاعدة عند العلماء أنه إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال.

وإن قيل:

(ص261) ما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن: (ألاَّ يمس القرآن إلا طاهر).

فالجواب:

(ص264) حديث عمرو بن حزم ضعيف لأنه مرسل، والمرسل من أقسام الضعيف، والضعيف لا يحتج به في إثبات الأحكام فضلاً عن إثبات حكم يلحق بالمسلمين المشقة العظيمة في تكليف عباد الله ألاَّ يقرأوا كتابه إلا وهم طاهرون، وخاصة في أيام البرد.

وإذا فرضنا صحته بناء على شهرته فإن كلمة طاهر: تحتمل أن يكون طاهر القلب من الشرك، أو طاهر لبدن من النجاسة، أو طاهراً من الحدث الأصغر، (ص265) أو الأكبر، فهذه أربع احتمالات، والدليل إذا احتمل احتمالين بطل الاستدلال به، فكيف إذا احتمل أربعة؟

وكذا فإن الطاهر يطلق على المؤمن لقوله تعالى: {إنما المشركون نجس} وهذا فيه إثبات النجاسة للمشرك.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن لا ينجس) وهذا فيه نفي النجاسة عن المؤمن، ونفي النقيض يستلزم ثبوت نقيضه، لأنه ليس هناك إلا طهارة أو نجاسة، فلا دلالة فيه على أن مس المصحف لا يكون إلا من متوضىْ.

وعندي: أن ردهم للاستدلال بالآية واضح، وأنا أوافقهم على ذلك.

وأما حديث عمرو بن حزم فالسند ضعيف كما قالوا، لكن من حيث قبول الناس له واستنادهم عليه فيما جاء فيه من أحكام الزكاة والديات غيرها وتلقيهم له بالقبول يدل على أن له أصلاً، وكثيراً ما يكون قبول الناس للحديث سواء كان علمياً أو عملياً يكون قائماً مقام السند أو أكثر، والحديث يستدل به من زمن التابعين إلى وقتنا هذا ثم نقول: لا أصل له هذا بعيد جداً.

وكنت في هذه المسألة أميل إلى قول الظاهرية، لكن لما تأملت قوله: (لا يمس القرآن إلا طاهر) والطاهر يطلق على الطاهر من الحدث الأصغر والأكبر لقوله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} ولم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبر عن المؤمن بالطاهر، لأن وصفه بالإيمان أبلغ، (ص266) تبيَّن لي أنه لا يجوز أن يمس القرآن من كان محدثاً حدثاً أصغر أو أكبر، والذي أركن إليه حديث عمرو بن حزم.

وقد يقول قائل: إن كتاب عمرو بن حزم كتب إلى أهل اليمن ولم يكونوا مسلمين في ذلك الوقت، فكونه لغير المسلمين يكون قرينة أن المراد بالطاهر هو المؤمن.

ولكن التعبير الكثير من قوله صلى الله عليه وسلم أنه يعلق الشيء بالإيمان، وما الذي يمنعه من أن يقول: لا يمس القرآن إلا مؤمن، مع أن هذا واضح بيِّن.

وهل كتب التفسير يجوز مسها؟

(ص267) كتب التفسير يجوز مسها لأنها تعتبر تفسيراً، والآيات التي فيها أقل من التفسير الذي فيه، والدليل على هذا كتابة النبي صلى الله عليه وسلم للكفار الكتب وفيها آيات من القرآن، فدل هذا على أن الحكم للأغلب والأكثر.

أما إذا تساوى التفسير والقرآن، فإنه إذا اجتمع مبيح وحاظر ولم يتميز (ص268) أحدهما برجحان، فإنه يغلب جانب الحظر فيعطى الحكم للقرآن.

وإن كان التفسير أكثر ولو بقليل أُعطي حكم التفسير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير