تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال محمد بن حاتم وراق البخاري: سمعتُ حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان البخاري يختلف معنا إلى السماع، وهو غلام، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أياماً، فكناً نقول له، فقال: إنكما قد أكثرتما عليّ، فاعرضا عليَّ ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشرة ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب، حتى جعلنا نحكم ما كتبنا من حفظه، فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.

وقال الحافظ أحمد بن نصر الخفاف: محمد بن إسماعيل أعلم في الحديث من أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، بعشرين درجة.

وقال الترمذي: لم أر أحداً بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد، أعلم من محمد بن إسماعيل.

وكتابه الجامع الصحيح أجل كتب الإسلام، وأصحها بعد القرآن، أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول، وأجله العلماء الفحول، له عند الحفاظ هيبة، وفي قلوبهم رهبة.

ذكر الحافظ الذهبي في الميزان حديثاً في الجامع الصحيح، تكلم في راويه وقال: لولا هيبة الجامع الصحيح لعددته من منكرات خالد.

وقال الحافظ أبو الحسن بن المفضل المالكي، شيخ المنذري: الراوي إذا احتج به الشيخان أو أحدهما فقد قفز القنطرة.

على أن مسلماً تلميذ البخاري وخريجه يعترف بفضله، ويغترف من فيض علمه، حتى قال الدارقطني: لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء.

وروى الحاكم في تاريخ نيسابور عن أبي حامد أحمد بن حمدون قال: سمعتُ مسلم بن الحجاج، وجاء إلى البخاري، فقبَّل ما بين عينيه وقال: دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين، ويا طبيب الحديث في علله.

ثم سأله عن حديث رواه عنه في كفارة المجلس، فأجابه البخاري عنه وبيَّن علته.

وكتابه التاريخ الكبير يقول عنه أبو أحمد الحاكم: كتاب لم يسبق إليه، ومن ألَّف بعده شيئاً من التاريخ أو الأسماء أو الكنى لم يستغن عنه، فمنهم من نسبه إلى نفسه، ومنهم من حكاه عنه، فالله يرحمه، فإنه الذي أصَّل الأصول.

ومنهم الإمام الحافظ المتقن أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني.

قال الحاكم: صار الدارقطني أوحد عصره في الحفظ والورع، وإماماً في القراء والنحويين، أقمتُ ببغداد أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا، فصادفته فوق ما وصف لي، وسألته عن العلل والشيوخ، وله مؤلفات يطول ذكرها، فأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله.

وقال الخطيب: كان الدارقطني فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة، مع الصدق والثقة وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب.

وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي: أحسن الناس كلاما ًعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: علي بن المديني في وقته، وموسى بن هارون في وقته، وعلي بن عمر الدارقطني في وقته.

وقال الحافظ البرقاني: كان الدارقطني يملي على العلل من حفظه، وأنا الذي جمعتها، وقرأها الناس من نسختي.

قال الذهبي: وإذا شئتَ أن تتبين براعة هذا الإمام الفرد، فطالع كتاب العلل له، فإنك تندهش ويطول تعجبك.

ومنهم شعبة، ومحمد بن إسحاق، وعبد الله بن المبارك، ومحمد بن يحيى الذهلي، وإسحاق بن راهويه، والحافظ ابن حجر، وهو ختامهم، لم يأتِ بعده من نال هذه الرتبة، وإن كان في تلامذته حفاظ كالسخاوي والديمي والسيوطي، لكنه لم يدركه وإنما تتلمذ على كتبه وانتفع بها كثيراً، وهو يعتبر خاتمة الحفاظ بالمعنى المصطلح عليه عند أهل الحديث، ومن وصف بعده بالحافظ كالسيد مرتضى الزبيدي شارح الإحياء فذلك على سبيل التوسع في العبارة.

وكان صديقنا العلامة المرحوم الشيخ محمد زاهد الكوثري الحنفي يصف ابن طولون الحنفي بالحافظ، وناقشتُه في ذلك فقال: إن مروياته كثيرة.

وهذه مغالطة؛ لأن كثرة المرويات إنما تعتبر في الحافظ بشرط أن تكون مسموعة له، ومرويات المتأخرين كابن طولون إنما هي بالإجازة، والغرض منها بقاء سلسلة الإسناد، والتبرك برجال السلسلة، كما قال الحافظ السخاوي: إنه لبس الخرقة الصوفية تجاه الكعبة المشرفة تبركاً برجالها الصالحين، وإن كان يعتقد أن سندها منقطع.

ولما كنتُ أدرس العلم بجامعة القرويين أعاد الله مجدها، علمتُ أن رجلاً عامياً يروي بالإجازة عن أبيه عن جده عن السيد مرتضى، فذهبتُ إليه واستجزتُه فأجاز لي، مع أن لي رواية عن السيد مرتضى بواسطة شيوخ كثيرين، منهم بالمغرب شقيقي أبو الفيض، والشيخ عبد الحفيظ الفاسي، والشيخ المكي البطاوري، والشيخ فتح الله البناني، رحمهم الله وأكرم مثواهم." اهـ.


[1] لكن قال البزار في موسى بن عبيدة الربذي: رجل مفيد، وليس بالحافظ، وتوفي الربذي سنة 153 هـ." اهـ.

والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى

ـ[سليل الأكابر]ــــــــ[26 - 10 - 03, 09:16 م]ـ
صاحب المقال هو الشيخ عبدالله بن الصديق الغماري _عفا الله عنه-.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير