تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا شك أن أهل الحديث نواب عن النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ أحاديثه ونشر سنته، فهم خلفاؤه.

ولهذا سمي بعضهم أمير المؤمنين في الحديث.

كما أن الخلفاء الحكام سموا أمراء المؤمنين لنيابتهم عنه في تنفيذ الأحكام وإقامة الحدود وحماية بيضة الإسلام، وليس كل عالم أو فاضل أو صاحب رأي يصلح لخلافة الحكم، بل يشترط فيمن يتولى هذا المنصب الخطير، شروط مفصلة في كتب الفقه الإسلامي، كذلك ليس كل حافظ يستحق لقب أمير المؤمنين في الحديث، وإنما يستحقه من توفرت فيه الشروط الآتية:

1 - شدة الإتقان والضبط بنوعيه: ضبط صدر، وضبط كتاب.

2 - التبريز في العلل، أو الرجال.

3 - أن يؤلف كتاباً له قيمته العلمية، كبير الأثر في موضوعه، أو يتخرج به حفاظ مهرة.

ولعزة اجتماع هذه الشروط في شخص لم ينل هذا اللقب من الحفاظ على كثرتهم إلا نفر قليل منهم، لا يتجاوز عددهم عشرين نفساً.

منهم الإمام مالك بن أنس، قال يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين: مالك أمير المؤمنين في الحديث، على أنه لم يكن واسع الحفظ، لأنه لم يرحل إلى البلدان والأقطار، كما رحل غيره من الحفاظ، ولم يبارح المدينة المنورة إلا للحج ثم رجع، وبسبب ذلك فاته حديث كثير.

لكنَّه شديد الإتقان، بالغ التحري، مبرزاً في نقد الرجال.

قال الترمذي في العلل: سمعت إسحاق بن موسى الأنصاري قال: سمعتُ معن بن عيسى يقول: كان مالك بن أنس يشدد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الياء والتاء، ونحو هذا.

وروي أيضاً عن علي بن المديني قال: قال يحيى بن سعيد القطان: ما في القوم أصح حديثاً من مالك بن أنس، كان مالك إماماً في الحديث.

وقال علي بن المديني عن سفيان بن عيينة: ما كان أشد انتقاد مالك للرجال وأعلمه بشأنهم.

وقال يحيى بن معين: كل من روى عنه مالك فهو ثقة إلا عبد الكريم.

قلتُ: عبد الكريم هذا، هو ابن أبي المخارق –بضم الميم-، أبو أمية البصري المعلم.

قال ابن عبد البر: لا يختلفون في ضعفه، غرَّ مالكاً منه سمته، ولم يكن من أهل بلده فيعرفه، ولم يخرج عنه حكماً، بل ترغيباً وفضلاً اهـ.

وقال الحافظ ابن سيد الناس في شرح الترمذي: لكن لم يخرج عنه مالك إلا الثابت من غير طريقه، ((إلا لم تستح فاصنع ما شئت)) ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وقد اعتذر لما تبين له أمره، وقال: غرني بكثرة بكائه في المسجد اهـ.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلتُ لأبي: من أثبت أصحاب الزهري؟ قال: مالك أثبت في كل شيء.

وقال ابن حبان: كان مالك أول من انتقد الرجال من الفقهاء بالمدينة، وأعرض عمن ليس بثقة في الحديث، ولم يكن يروي إلا ما صح، ولا يحدث إلا عن ثقة اهـ.

وكتابه الموطأ من كتب السنة النافعة، مدحه الإمام الشافعي بكلمته المعروفة: ما على ظهر الأرض بعد كتاب الله أكثر صواباً من موطأ مالك.

وأثنى عليه غيره من العلماء ثناءاً كبيراً، لا حاجة إلى الإطالة بذكره، لشهرته وانتشاره في شروح الموطأ وغيرها من كتب السنة، ولولا ما فيه من المرسلات والبلاغات ما تقدم عليه الصحيحان ولا غيرهما.

ولم يقدره المالكية حق قدره، حيث قدموا عليه المدونة عند التعارض، مع أن القواعد الأصولية والحديثية توجب تقديمه لأمور:

1 - أن الموطأ كتبه الإمام بيده، ونقحه في مدى أربعين سنة، والمدونة ليست كذلك، لأنه لم يكتبها ولم ينقحها.

2 - أن الموطأ رواه عن الإمام عدة مئات من العلماء، فهو منقول بالتواتر، والمدونة ليست كذلك، بل تفرد بها ابن القاسم.

3 - أن من جملة رواة الموطأ أصحاب مالك المدنيين، وهم الذين لازموه إلى وفاته، وابن القاسم الذي بنيت المدونة على رواياته فارق مالكاً قبل مماته بعشرين سنة، والملازم للشيخ مقدم على المفارق له.

4 - أن أقوال الإمام في الموطأ مصحوبة بدليلها من آية أو حديث أو أثر، والأقوال المنسوبة إليه في المدونة عارية عن الدليل.

ولتفصيل هذا البحث موضع غير هذا." اهـ.

"ومنهم إمام الحفاظ، وجبل العلم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، صاحب الصحيح.

قال عنه شيخه علي بن المديني: ما رأى مثل نفسه.

وقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري.

كان واسع الحفظ والرواية، شديد الإتقان، مبرزاً في علم العلل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير