فقد قال الترمذي في (العلل): ((قال محمد (يعني البخاري): أصحّ الأحاديث عندي في المواقيت: حديث جابر بن عبدالله، وحديث أبي موسى. قال: وحديث سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن بُريدة عن أبيه في المواقيت، وهو حديث حسن. ولم يعرفه إلا من حديث الثوري)).
وحديث سليمان بن بريدة هذا الذي هو من أصح أحاديث المواقيت عند البخاري: أخرجه مسلم (رقم 613)، وابن خزيمة في صحيحه (ناصًّا على صحته بصريح مقاله فيه) (رقم 323، 324)، وابن الجارود في المنتقى (رقم 151)، وابن حبان في صحيحه (رقم 1492).
فهل تجد حُجةً أنصع من هذه: على أن نفي البخاري لعلمه بسماع سليمان من أبيه ما هو إلا خبر مجرّد عن ذلك، من غير قَصْدِ إعلالٍ أو توقُفٍ عن الحكم بالاتصال؟!
المثال الثاني: عبدالله بن بريدة عن أبيه.
قال البخاري في ترجمته: ((عبدالله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي: قاضي مرو، عن أبيه، سمع سمرة، ومن عمران بن الحصين)).
وهُنَا أنقل ما ذكره خالد الدريس في كتابه الذي ينصر فيه الشرط المنسوب إلى البخاري (موقف الإمامين. .)، حيث قال: ((ذكرتُ فيما سبق: أن قول البخاري (عن) بدل (سمع) فيما يرويه صاحب الترجمة عن شيوخه تدل على أن البخاري لم يثبت عنده سماع صاحب الترجمة ممن روى عنه، وإلا لقال: (سمع) بدل (عن).
وهنا أشار الإمام البخاري أن عبدالله بن بريدة روى عن أبيه بالعنعنة، مما يدل على أن البخاري لم يقف على ما يُثبت سماع عبدالله من أبيه. ورُغم ذلك فقد أخرج البخاري في صحيحه لعبدالله بن بريدة حديثين، ليس فيهما ما يثبت السماع أو اللقاء بينهما))! ثم ذكر الحديثين، وهما في صحيح البخاري فعلاً بغير تصريح بالسماع. ثم عاد خالد الدريس ليقول: ((فعلى أي شيءٍ اعتمد البخاري في تصحيحه لهذين الحديثين؟ يبدو أن البخاري أخرج هذين الحديثين لعبدالله بن بريدة عن أبيه مع عدم ثبوت سماع من أبيه لأمرين. .))، ثم ذكرهما، وهما حسب رأيه: أن احتمال سماع عبدالله من أبيه أقوى بكثير من احتمال عدم السماع، وأن البخاري لم يعتمد على الحديث الأول أو الثاني في بابهما. . كذا قال!!
وكان يكفيه الاحتمال الأول، فإنا نقول: ألم يصححه البخاري بإخراجه في صحيحه؟ ومن قال بأنه لم يعتمد عليه؟ لمَ لا أقول إنه لم يعتمد على الأحاديث الأخرى واعتمد على هذا؟
ثم هذا الحاكم يقول: ((قد احتجّا جميعًا بعبدالله بن بريدة عن أبيه)). ولمّا ذكر الدارقطني من أخرج له البخاري اعتبارًا أو مقرونًا لم يذكر عبدالله بن بريدة، بل ذكره في مسرده ممن أخرج لهم البخاري احتجاجًا.
وهذا الحافظ لما أراد الاعتذار للبخاري لم يزعم أنه أخرج له في المتابعات أو الشواهد، وإنما قال: ((ليس له في البخاري من روايته عن أبيه سوى حديث واحد)). ومع ما في قوله من أنه لم يخرج له إلا حديثًا وحدًا من نظر، حيث أخرج له حديثين كما سبق، إلا أن هذا اعترافٌ من الحافظ (الذي تبنّى أنه لم يسمع من أبيه) بأنه لا عُذْرَ للبخاري في إخراجه، وكأنه يقول: إنما هو حديثٌ واحد أخطأ فيه البخاري!!!
وبذلك يتّضح أن البخاري قد يقول: ((لا أعلم لفلان سماعًا من فلان))، وهو لا يريد الإعلال بذلك، وإنما يريد إخبارَنا بذلك فقط!
الحواشي
التاريخ الكبير للبخاري (4/ 4).
تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/ 630 رقم 1818)، وتاريخ دمشق -المطبوع: ترجمة عبدالله بن بريدة- (419).
التاريخ الأوسط للبخاري (1/ 240).
التاريخ الأوسط للبخاري (1/ 261).
انظر: أسد الغابة (1/ 209 - 210)، والإصابة (1/ 286)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (2/ 470).
الإحسان (6/ 259 رقم 2513).
التاريخ الكبير للبخاري (4/ 4).
العلل الكبير للترمذي (1/ 202 - 203).
التاريخ الكبير للبخاري (5/ 51).
صحيح البخاري (رقم 4473، 4350).
موقف الإمامين لخالد الدريس (148 - 149).
المستدرك (1/ 7).
ذكر أسماء التابعين للدارقطني (رقم 500).
هدي الساري (433).
ـ[الساجي]ــــــــ[13 - 12 - 03, 09:04 م]ـ
لم اقصد نفي السماع -حاشاوكلا- خاصة واني قدذكرت انه عاصر من حياة ابيه ما يقارب (48) سنة لكن مقصدي هو
1 - لماذا قال البخاري ما قال؟ هل لمجرد الاخبار؟ وما الفائدة من ذلك؟
2 - لماذا لم يوجد تصريح بالتحديث؟ وهل يعقل الايقول ولو لمرة واحدة سمعت او حدثني ابيه خلال (48) سنة؟
ارجو الابتعاد عن التشنج ولك ياشيخنا خاص دعائي
¥