تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يتورّط بعلومٍ ـ غير التاريخ ـ ممّا لا عَهْدَ له بها، ولم تكن له فيها يدٌ أو باع أو شأن، كالكلام والفقه والعلوم العقلية، وحتّى فقه الحديث ومتن الحديث، وعلوم اللغة والأدب، فإنّ كلّ هذه المعارف لم يتعمّقْ فيها، وإنّما تخصّص بِعلم تاريخ الرجال، فلذلك وقع في مؤلّفاته ـ عندما يتعرّض لما لا يَعنيه ـ في كثير من الغلط والتجديف والتكلّف والتحكّم على الواقع والحقّ، مستخدماً أساليبَ القذف والتكذيب، سيّما إذا واجه واحداً من أولياء أهل البيت عليهم السّلام وأتباع مذهبهم، فإنّه يُغْرِقُ سهماً في المغالطة والإيهام، وإبراز الكراهيّة، وكَيْل الاتّهام، والإغراء لقرّائه بالحطّ والغضّ عن المكارم والمحاسِن، ويُحاول التشكيك والتهوين لها، مع التضخيم والتهويل لما يراهُ جرحاً وقدحاً، ولا يألُو جُهْداً في كلّ هذه الألوان من التصّرفات مع مَنْ يُخالفه في الرأي والهوى. وقد عُرِفَ الذهبيّ بما ذكرنا من التصّرفات عند أهل نحلته من علماء السنّة، فضجّوا منها ومنه، لمّا رأوهُ لا يتقيّد بحدٍّ في ذلك، ولايردعهُ دين، أو موضوعيّة، أو وجدان، فتصدّوا له في مؤلّفاتهم، حَذَراً من ضياع الحق الذي أخفاه، وخوفاً من نفاذ الباطل الذي أبداه [1]. وفي مقدمة الذين عقّبوهُ بالاستدراك: الحافظ، الشافعيّ ابن حَجَر العسقلانيّ، فقد قابَلَ تصرّفات الذهبي، بالردّ والتصحيح مستخدماً اُسلوباً يتّسِمُ بالأدب والإنْصاف، مع الفَهم الجيّد والموضُوعيّة، مُحاولاً تعديل ما أوهمه الذهبي في ميزانه. وقد يعودُ اعتدال ابن حَجَر وإنصافه إلى علمه الزاخِر وموسوعيّته الشاملة لأكثر العلوم الإسلاميّة، كالفقه، والحديث، واللغة، مضافاً إلى تبحّره في علوم تاريخ الرواة وتراجم الرجال، مما جَعَلَه أقدر وأوْعَب، وأبرز وأعمق، في مواقفه مع الذهبيّ عندما يُؤاخذُهُ، ويُساجلِه. ومن أجل ذلك كان (لسان الميزان) أكبر فائدةً من (ميزان) الذهبيّ، وأكثر تدقيقاً، وأعمّ وأشملُ مساحةً واستيعاباً، ممّا حدا بالحافظ ابن حَجَر أنْ يُعلن عن أسَفه بالانشغال بكتاب الذهبي، فقال: «لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، لم أتقيّد بالذهبيّ، ولجعلتُه ـ يعني اللسان ـ كتاباً مبتكراً» [2]. ولكنّ عمل ابن حجر، هو الآخر، لا يخلو من بعض المخالَفات، سواء في المنهج، اُم في الأحكام القاسية».


1 ـ لاحظ قاعدة في الجرح والتعديل، وقاعدة في المؤرخين للتاج السبكي (ص 14 و16 و31 و35 و36).
2 ـ نقله السخاوي في كتابه «الجواهر والدرر» عن الحافظ ابن حجر، لاحظ كتاب (تعريف أهل التقديس) المقدمة (ص 17).

انتهى كلام الرافضي، والهوامش من عنده.

نلاحظ أن هذا الرافضي يصنّف ابن حجر من ضمن "علماء الأمة الإسلامية المجيدة"، ويصفه بأنه "الحافظ، شيخ الإسلام". بينما يتهكم بالإمام الذهبي أن أصله تركماني (وقد اعتبر هذا في بقية الكتاب عيباً!). بل يقول عنه "معروف بحنبليّته" رغم أن هذا كذبٌ، وقد صرح الذهبي في ترجمة أبيه بأنه شافعي المذهب. ثم هذا الرافضي يصف الذهبي بالتعصب الكثير وبالتخليط والجهل و "الغلط والتجديف والتكلّف والتحكّم على الواقع والحقّ، مستخدماً أساليبَ القذف والتكذيب، سيّما إذا واجه واحداً من أولياء أهل البيت عليهم السّلام وأتباع مذهبهم ... " إلى آخر هراءه أخزاه الله. لكنه يصف ابن حجر بالاعتدال، بل ويعتبر كتابه "لسان الميزان" بمثابة محاولة تعديل لقسوة الذهبي على الشيعة في كتابه "ميزان الاعتدال". ويصف الرافضيُّ ابنَ حجر "بالأدب والإنْصاف، مع الفَهم الجيّد والموضُوعيّة"!! هذا مع أنه كرافضي، لديه بعض الملاحظات على ابن حجر، وهو أمرٌ لا مفرّ منه. لكن الشاهد هنا هو مديح الرافضة لما فعله ابن حجر من تلميع لصورتهم وتحسين تراجمهم.

وإن كان أحدٌ يعتقد أن مجرد نسبة ابن حجر للتشيع الخفيف طعناً به لا يجوز بأي حال، فما يقول عن وصف الإمام الذهبي لعدد من الأعلام بالتشيع مثل: أبي نُعَيم والنسائي وابن جريرٍ الطبري والحاكم؟ وماذا يقول عن وصف شيخ الإسلام للحاكم والنسائي وابن عبد البر (في منهاج السنة 7\ 373) بالتشيع؟ لم يتوهم أحدٌ أن هذا طعنٌ في عدالة هؤلاء. فلم ابن حجر استثناء، رغم أن هؤلاء المذكورون أحسن عقيدة منه وأقرب للسلف؟! وصدق الذهبي في قوله: الإنصاف عزيز.

أما عن منهج ابن حجر الحديثي فيعاب عليه ميله لإصدار اصطلاحات جديدة، بخاصة في كتابه "نخبة الفكر". فإن قيل: أليس أنه لا مشاحة في الاصطلاح؟ قلنا نعم، ولكن ما الفائدة من المصطلحات الجديدة إن كانت ستسبب (وقد سبّبت) سوء فهم لأقوال كل الأئمة الذين من قبل ابن حجر، لأنه غير معاني المصطلحات؟ ومما يعاب عليه أيضاً فتوره في الحكم على الحديث الموضوع: بأنه موضوع.

قال الشيخ أحمد الغُماري في كتابه "المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير" (ص7) بعد أن أورد حديثَ "آفةُ الدِّين ثلاثة: فقيه فاجر، وإمام جائر، ومجتهد جاهل"، قال: «قال الحافظ في "زهر الفردوس": "فيه ضعفٌ وانقطاع". قلتُ: بل فيه كذابٌ وضَّاع، وهو نَهْشَل بن سعيد، فالحديث موضوع. والحافظُ (ابن حجر) وشيخُهُ العراقي متساهلان في الحكم للحديث. ولا يكادان يُصرِّحان بوضع حديثٍ إلا إذا كان كالشمس في رابعة النهار».

ومما يعاب عليه أيضاً تكلفه الشديد في محاولة تقوية الأحاديث الضعيفة التي تنصر التشيع. حتى قال عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في تعليقه على "الفوائد المجموعة" (ص317) ما نصه: «وتصدى الحافظ ابن حجر في "القول المسدد" و "الفتح" للدفاع عن بعض روايات الكوفيين. وفي كلامه تسامح. والحق أنه لا تسلم رواية منها عن وهن».
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير