وتبعه على ذلك عبد الفتاح أبو غدة في تحقيقه لـ (قفو الأثر) (6).
وقد كنت رددت تفريق الحافظ هذا في أصل هذا البحث بالأدلة، ثم طبع حديثاً كتاب (التصحيف وأثره في الحديث والفقه ودجهود المحدثين في مكافحته) للأستاذ أسطيري جمال. وقد أطال في رد هذا التفريق، وفي الاستدلال لنقضه، بما يكفي ويشفي. فاستغنيت عما كنت كتبته، بما أحيل إليه من ذلك الكتاب (7).
والأعجب من ذلك كله، هو موقف بعض شراح (النزهة). فبعد تقريرهم أن تفريق الحافظ اصطلاح خاص به، قالوا: ((ولا مشاحة في الاصطلاح))!!!
فأقول: لكن الذي فعله الحافظ هو (المشاحة)!! لأنه يتكلم عن مصطلح أهل الأثر، كما سمى كتابه، وليس يتكلم عن مصطلحه الخاص به!! وتفريقه ذاك مخالف لاصطلاح أهل الأثر، فيقال له هو: ((لا مشاحة في الاصطلاح))!!!
وهنا أنتهي من كلامي عن (نزهة النظر)، بما أظهرت به أن لـ (النزهة) ـ في مواضع منها ـ منهجاً غير سديد في فهم المصطلح، قائماً على (فكرة تطوير المصطلحات) التي كررنا التأكيد على خطرها وأثرها المدمر على علوم الحديث (1).
وأرجو ـ بعد ذلك ـ أن يكون مقصودي واضحاً، فلا يفسر على غير ما أردت. إذ إنه ليس غرضاً لي ـ ولم يكن ولن يكون غرضاً لي ـ الحط من كتاب كـ (نزهة النظر). إنما أردت بيان فضل المنهج السليم في فهم مصطلح الحديث على المناهج الأخرى، وبيان من سار على ذلك المنهج أو تلك المناهج من المصنفين في علوم الحديث.
فإذا عدنا إلى سياق كتب علوم الحديث، وتلمس مناهجها، بعد الحافظ ابن حجر، فأقول ـ مختصراً المقال:ـ
إن اشهر الكتب في علوم الحديث بعد الحافظ ابن حجر، هي: (فتح المغيث شرح ألفية الحديث) للسخاوي (ت 902هـ)، و (تدريب الراوي شرح تقريب النواوي) للسيوطي (ت 911هـ)، و (توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الآثار) للأمير الصنعاني (ت 1182هـ).
وقد اتخذت هذه الكتب، وغيرها مما وضع في عصرها أو بعده، من (نزهة النظر) للحافظ ابن حجر= أصلاً أصيلاً، ومصدراً أساسياً، في فهم مصطلح الحديث وتقرير قواعده. فتناقلت الكتب ما جاء في (النزهة)، ونصرته، غالباً.
ولقد كان السخاوي مثالاً للتلميذ المتعصب لشيخه: الحافظ ابن حجر، وحق له ـ والله ـ ذاك!! لكن الحافظ عندي إمام، وابن الصلاح إمام، والخطيب إمام، والحاكم إمام، وغيرهم من نقاد الحديث أئمة أيضاً. فلا معنى للتعصب عندي لأحدهم دون الآخر!! لذلك رأيت الحق أولى ما ابتغي وسعي إليه، وأحق ما نصر وتعصب له!!
أما السيوطي فأخف من غيره تعصباً للحافظ، خاصةً في (تدريب الراوي) ى. ولعل سبب ذلك أنه يشرح كتاباً للنووي في اختصار كتاب ابن الصلاح، ثم هو لم يتتلمذ على الحافظ ابن حجر.
وأما الأمير الصنعاني فأبعدهم عن التعصب، لكنه لا يجري مجرى غيره في ممارسة علم الحديث تطبيقاً وعملاً، ثم يؤخذ عليه كثرة تعويله على كتب أصول الفقه وترجيح آراء اصحابها على آراء أصحاب الفن من المحدثين!
غير أنه مما يميز هذه الكتب وأشباهها، أنها كتب موسعة، مليئة بالنقول والأمثلة. إضافةً إلى تحريراتٍ وفوائد وفرائد، لا يستغنى عنها إلا من استغنى عن هذا العلم.
وبذلك أكون قد انتهيت من هذا العرض، لمناهج كتب علوم الحديث، وتمييز خصائها ومحاسنها من المؤخذات عليها. وقد حاولت جاهداً الاختصار، وإلا فالمجال واسع فسيح، بدراسة كل كتابٍ على حدة، دراسةً شاملةً وافيةً، من خلال الغاية التي سعيت إليها في هذا العرض.
الحواش:
نزهة النظر لابن حجر (51).
(2) الحافظ الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث للطحان (481 - 486).
(1) علوم الحديث لابن الصلاح (5 - 6).
(2) انظر (ص 160 - 161).
(3) الفتح المبين في طبقات الأصوليين للمراغي (2/ 63 - 64).
(4) مقدمة تحقيق نور الدين عتر لعلوم الحديث لابن الصلاح (18).
(5) انظر (ص 164ـ 165).
(6) انظر مثلاً في علوم الحديث (ص 56، 85، 141، 143، 151، 152، 154، 155، 168، 173 - 174، 180 - 181).
(7) انظر علوم الحديث (143، 173 - 174).
(8) انظر علوم الحديث (168).
(1) علوم الحديث لابن الصلاح (ص 51).
(2) علوم الحديث لابن ا لصلاح (ص52).
(3) لكن انظر (ص 230 - 234).
(4) الكفاية للخطيب (451 - 452).
(1) انظر شرح علل ا لتر مذ ي لابن رجب (2/ 637 - 638).
¥