حدَّثنا الحسن بن الصباح البزار ثنا محمد بن كثير العبدى عن الأوزاعى عن قتادة عن أنس قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأبى بكر وعمر ((هذان سيَّدا كهول أهل الجنَّة من الأولين والآخرين إلا النبيِّين والمرسلين)).
وقال: ((هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه)).
ثمَّ ذكر بعض وجوه الحديث المفسِّرة لمراده بهذا الاصطلاح، فقال (3665): حدَّثنا على بن حجر أخبرنا الوليد بن محمد الموقرى عن الزهرى عن على بن الحسين عن على بن أبى طالبٍ قال: كنت مع رسولِ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إذ طلع ابو بكر وعمر، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هذان سيَّدا كهول أهل الجنَّة من الأولين والآخرين إلا النبيِّين والمرسلين. يا على! لا تخبرهما)).
وقال (3666): حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقى ثنا سفيان بن عيينة قال: ذكر داود عن الشعبى عن الحارث عن على عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أبو بكر وعمر سيَّدا كهول أهل الجنَّة من الأولين والآخرين ما خلا النبيِّين والمرسلين، ولا تخبرهما يا على)).
ففى هذا بيانٌ جلىٌّ أن الترمذى أراد بالحسن تعدد مخارج الحديث، وبالغرابة تفرد الراوى بهذا الوجه الذى ذكره عنه.
وعليه فاللائق بصنيع الترمذى أن نقول:
((كلُّ حديث قال عنه ((حسن غريب)) فهو حديث قد رُوى من غير وجهٍ نحوه، وإنما يُستغربُ من الطريق المذكورة لتفرد راوٍ بها)).
ولا يشذ عن هذا الحكم حديث، إلا وفى شذوذه لطيفة دقَّتْ عن أفهام من لم يمعن النظر فى أسانيد الأخبار وطرقها، وسوف نشير إلى بعضها فى ثنايا سرد الأمثلة المؤكدة لعموم هذا الحكم، مع تقرير أن عدم المعرفة بالطرق لا ينفى وجودها، ولا يثبت عدم إحاطة الترمذى بها، ومع إحاطة علم الناظر فى ((جامعه)) أن نسخه المخطوطة والمطبوعة قد تفاوتت تفاوتاً ما فى أمرين:
(الأول) حكم الترمذى على الأحاديث.
(الثانى) سرده لأسماء الصحابة الذين يذكرهم بقوله ((فى الباب عن فلان)).
ومن طالع ((جامع الترمذى)) بتحقيق الشيخ العلامة أحمد شاكر، يجد تفاوتاً بينه وبين غيره من الجوامع التى حققها غيره، فله فيه مزايا فى التحقيق والمقابلة بين النسخ ينبغى أن تعقد عليها الخناصر، والله يؤتى فضله من يشاء.
ومن أبين الأمثلة على ما وقع الاختلاف فيه على حكم الترمذى على الحديث: ما أخرجه الترمذى (174) من حديث سعيد بن أبى هلال عن إسحق بن عمر عن عائشة قالت: ((مَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةً لِوَقْتِهَا الآخِرِ مَرَّتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ)).
واختلف الحفاظ فى حكم أبى عيسى الترمذى على هذا الحديث، فاقتصر الحافظ الزيلعى فى ((نصب الراية))، والحافظ ابن حجر فى ((التهذيب)) كلاهما على الغرابة ـ يعنى قوله ((غريب)) ـ، بينما نقل العلامة أحمد شاكر عن الترمذى قوله ((هذا حديث حسن غريب))، وأبان أن ذلك مذكور فى ثلاث نسخ صحيحة ذكرها فى ثنايا تحقيقه الحديث.
ومما يؤكد صحة هذا النقل أن الحديث مروى من غير وجهٍ عن عائشة نحوه.
وإذ قد تبين لك معنى قول الترمذى ((حسن غريب))، فلنشرع فى ذكر أمثلةٍ تؤكد عموم هذا المعنى السالف إيضاحه، ونبتدئُ كلَّ مثالٍ منها بذكر الحديث من ((الجامع))، ثم نذكر بياناً بتخريجاته فى الكتب الأخرى، ثم نبين الوجوه والطرق التى رُوى بها نحوه للدلالة على صحة هذا المعنى المختار.
مع الإعلام بأننا نعتمد فى ذكر الأحاديث: متونها وأسانيدها وأرقامها، على النسخة المطبوعة بتحقيق الشيخ العلامة أحمد شاكر وآخرين، ولا نكتفى فى ذكر الحكم على الأحاديث، بالاعتماد على هذه النسخة، حتى نقارنه بما ذكره الإمام الحجة أبو الحجاج المزى فى موسوعته ((تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف))، وبما ذكره الحافظ المباركفورى فى ((تحفة الأحوذى بشرح جامع الترمذى))، وبما ذكره الحافظ الزيلعى فى ((نصب الراية))، وبما ذكره الحافظ الحجة المجد ابن تيمية فى ((منتقى الأخيار))، مع اختيارنا للراجح من الحكم إن كان ثمَّ اختلافٌ.
وهذا حين الشروع فى الإبانة، ومن الله التوفيق والإعانة:
((الحديث الأول))
... *** ... ***
قال الترمذى فى ((كتاب الطهارة)) (43):
¥