يقول الهَرَوِيّ () في مقدمته:"ونعمل لكل حرف باباً، ونفتح كل باب بالحرف الذي يكون أوله الهمزة ثمَّ الباء ثمَّ التاء إلى آخر الحروف"، ويقول ():"وكنت أرجو أن يكون سَبَقَني إلى جَمْعها، وضمِّ كلِّ شيءٍ إلى لِفْقِهِ () منها، على ترتيب حسن واختصار كاف، سابقٌ، فكفاني مؤونة الدَّأَب وصعوبة الطلب، فلم أجد أحداً عمل ذلك إلى غايتنا هذه".
أمَّا كتابُ الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الأصفهاني () المتوفى سنة 581ه، فهو"المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث"، وكان ثانيَ مصدَرَيْن من مصادر ابن الأثير في"النهاية"بعد كتاب"الغريبين"المتقدم. قال ابن الأثير في مقدمته ():"كان أبو موسى إماماً في عصره، حافظاً متقناً تُشَدُّ إليه الرِّحالُ، وتُناط به من الطلبةِ الآمالُ، ولمَّا وقفتُ على كتابه وجدتُه في غاية الحسن والكمال".
وقد استحسن أبو موسى كتابَ الهرويِّ المتقدم، بيدَ أنَّه () وجد كلماتٍ كثيرة شذَّت عن كتابه"إذ لايُحاط بجميع ما تُكُلِّم به من غريب الكَلِم، فلم أزلْ أتتبَّع ما فاته، وأكتب ما غفل عنه". وذكر في مقدمته أنَّ شرطه في كتابه: الاختصار، إلا إذا اختلَّّ الكلام دونه، وتَرْكُ الاستشهاد بالشواهد الكثيرة إلا إذا لم يُسْتَغْن عنها. واختار أبو موسى منهج الترتيب الهجائي وَفْقَ الحرف الأول، وهو المنهج الذي استقرت عليه المصنفات التالية للهروي.
ويُعَدُّ كتابُ"الفائق في غريب الحديث"لـ جار الله محمود بن عمر الزمخشري () المتوفى سنة 538ه، من المصنفات المهمة في منهج الترتيب الهجائي وَفْق الحرف الأول، غير أنَّه كان يُورد نص الحديث كاملاً، ولا يوزِّعه وَفْقَ حروف كلمات ألفاظه، ومن هنا كان البحث عن الغريب المنشود يَعْتَوره بعضُ العُسْر. وقد لحظ ابنُ الأثير () في مقدمة نهايته ذلك فقال:"ولكنْ في العثور على طلب الحديث منه كُلْفَةٌ ومشقة ....... فيجيء شرحُ كل كلمة غريبةٍ يشتمل عليها ذلك الحديث في حرفٍ واحدٍ من حروف المعجم، فترِدُ الكلمةُ في غيرِ حرفها، وإذا تطلَّبها الإنسانُ تَعِبَ حتى يجدَها".
وتتوالى بعد ذلك المصنفاتُ مختارةً منهج الترتيب الهجائي وَفْقَ الحرف الأول. ويُعَدُّ كتابُ أبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجَوْزي () المتوفى سنة 597ه من أهم المصنفات في القرن السادس، وكان يأمل -كما ذكر في مقدمته- () أن يُغني كتابه عن جميع ما صُنِّف في ذلك. وقد اعتمد اعتماداً كبيراً على كتاب الهروي.
وآخرُ مصنف من المصنفات المهمة هو:"مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار"للشيخ محمد طاهر الصديقي الفَتَّني () المتوفى سنة 986ه، وقد سارَ فيه على منهج الترتيب الهجائي وَفْقَ الحرف الأول، وهو المنهج الذي استقرت عليه المؤلفات في هذا الفن، وقد أفادَ من التراث الضخم الذي تركه السلف في غريب الحديث والأثر، ويُقِرُّ في مقدمته () بأنَّ كتاب"النهاية"كان أصلاً له"ولم أغادر منه إلا ما نَدَرَ أو شاعَ بينهم وانتشر، وأضم إلى ذلك ما في ناظر عين الغريبين من الفوائد، وما عثرت عليها من غير تلك الكتب من الزوائد". وقد وضع الفَتَّني رموزاً لبيان ما اقتبسه من كل مصدر من المصادر التي أشار إليها في مقدمته، وجاء كتابه في خمسة مجلدات كبيرة.
ومن مناهج التأليف في علم غريب الحديث كتب الاستدراك على المتقدمين وإصلاح الغلط الذي جرى على مصنفاتهم. ومن هذه المصنفات كتاب لُغْذة الأصبهاني () الحسن بن عبدالله المتوفى سنة 280ه في"الرد على أبي عُبَيْد في غريب الحديث"، وكتاب"التنبيه على الألفاظ التي وقع في نقلها وضبطها تصحيف وخطأ في كتاب الغريبين () " لأبي الفضل محمد بن ناصر () المتوفى سنة 550ه.
وكتب المختصرات والتهذيب وإعادة الترتيب ضرب من ضروب التأليف في علم غريب الحديث. ومن هذه المؤلفات"تقريب المرام في غريب القاسم بن سلام"للمحبِّ الطبري () المتوفى سنة 694ه، و"تهذيب غريب الحديث"ليحيى ابن علي التبريزي () المتوفى سنة 502ه، و"مختصر الغريبين"لمجد الدين أبي المكارم علي بن محمد () المتوفى سنة 561ه.
ومن مناهج التأليف شرح غريب حديث معيَّن، أو غريب كتاب معيَّن من كتب الحديث. ومن ذلك كتاب"شرح حديث أم زَرْع"لإسماعيل بن أبي أويس () المتوفى سنة 226ه، ولأحمد بن عبيد أبي جعفر النحوي () المتوفى سنة 278ه.
¥