تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 ـ إنّ اختيار منهج محدد يبدو أمراً لازماً، ولاسيما أنَّ طائفة من مصنَّفات"غريب الحديث"من قبله تفتقد المنهج الميسَّر المطَّرد في تنظيم مادتها، ويعتورها ضروب من العُسْرِ في استخراج حديث منها. فهل ينثر مادته من غير ترتيب معيّن، أو يذكر غريبه وَفْقَ المسانيد، كما هي طريقة أبي عبيد وابن قتيبة في مصنفهما المتقدم:"غريب الحديث"، أو وَفْقَ طريقة التقاليب والمخارج، كما هي طرف من طريقة أبي إسحاق الحربي في غريبه، أو وَفْقَ ترتيب الحروف الهجائية: أ، ب، ت، ث، ابتداءً من الحرف الأخير للكلمة، ثم العودة إلى الحرف الأول، كما هي طريقة الجوهري في"صحاحه"، أو وَفْقَ ترتيب الحروف الهجائية من الحرف الأول للكلمة، كما هي طريقة الهروي في"الغريبين"والزمخشري في"الفائق"؟

لا ريب أنَّ الخبرة الواسعة في الصناعة المعجمية التي عَجَمت عود مؤلف في القرن السابع؛ كابن الأثير، منَحتْه خبرة واسعة في معالم كل طريقة ومحاسنها، وجعلته يُرَجِّح الطريقة الأخيرة، فهي يسيرة تتجاوز الصعوبات التي قد تكتنف الطرق الأخرى، فنَثْرُ المادة من غير ترتيب لا يُقرُّه أحدٌ لعسر استخراج المادة المنشودة، وقد لا يُدْرِك المُراجِعُ اسمَ الصحابي الراوي للحديث الغريب، كما أنَّه قد يجتهد طويلاً في قراءة مسند معيّن للوقوف على حديث منشود، كما أنَّ طريقة التقاليب والمخارج بما تحمله من صعوبةِ استخراج الغريب منها تجعله يتجنبها.

لقد حَدَّد ابن الأثير وجهته التي هو مُوَلِّيها، فهي ترتيب المادة وَفْقَ الحروف الهجائية. وقد كان تحت هذا الترتيب ثلاثة اتجاهات معجمية: فثمة من يُرَجِّح اختيار الحرف الأخير من الكلمة بعد تجريدها من الحروف الزائدة، ورَدِّ الحرف الأصليِّ المحذوف، ثم العودة إلى الحرف الأول من الكلمة. وثمة من يرجِّح اختيار الحرف الأول ابتداءً، ثم الحرف الثاني فالثالث؛ لأنَّه يحقق سهولة وسيرورة مباشرة في تصوُّر اللفظ المنشود؛ وذلك لأنه تَصَوُّرٌ سهل قريب، يبتعد عن سلوك تركيب عنصرين من عناصر التفكير، أولهما التوجُّه نحو الحرف الأخير، وثانيهما العودة إلى لفظ الحرف الأول، وهذا الترجيح في اختيار الحرف الأول هو الذي مضى عليه ابن الأثير.

أمَّا الاتجاه المعجمي الثالث الذي عزف عنه صاحب"النهاية"فهو: أنَّ الحديث الواحد قد يتضمن أكثر من مفردة غريبة، فهل يَسْرد النص كاملاً وفق الترتيب الهجائي لأول لفظٍ غريب، ثم يَذْكر اللفظ الغريب الثاني في الموضع نفسه، كما فعل الزمخشري في"فائقه"، أو يُوَزِّع نصّ الحديث إلى مقطعات عديدة، فيذكر كل لفظ غريب وَفْقَ ترتيبه الهجائي الأول؟ وهو الذي اختاره ابن الأثير.

إنَّ اختيار ابن الأثير لهذا المنهج الدقيق يجعله يتجاوز مظاهر العسر التي تكتنف الطرق الأخرى، فطريقة المسانيد يصعب معها الاهتداء إلى الموضع المطلوب، ولا سيما إن جهل المراجِعُ اسم صاحب المسند، ولو عرفه لتعب في الوصول إليه، من خلال عشرات الأحاديث، التي يرويها ذلك الصحابي، وإن كان لدينا فهارس حديثة كاشفة، احتاج المراجِعُ إلى الوقوف على أحاديث كل مادة ليصل إلى مبتغاه من حديث معيّن، وفي ذلك هَدْرٌ كبير للوقت والجهد.

أمَّا طريقة التقاليب والمخارج فقد ثبت من خلال تجربة الخليل في كتاب"العين"والحربي في"غريبه"أنها وَعْرَة لا تتكشَّف المادة معها إلا بعدلأيٍ ونَصَب. وأمَّا طريقة الزمخشري في"فائقه"فتتميز بسهولتها لأنها تعتمد الحروف الهجائية، بيدَ أنَّ المُراجِع قد يجهل أول الحديث، فلا يَتَبَيَّن له موضع الغريب الأول الذي شرع فيه الزمخشريُّ ليجعلَه منطلقه، فينثر ما فيه من غريب؛ وذلك لأنَّ مادة الغريب في الحديث الواحد متعددة.

إنَّ الطريقة التي تَوَخَّاها ابنُ الأثير في معجمه"النهاية"تجعل من يقف على عتبته يصل إلى مبتغاه على نحوٍ ميسور، فلا يلزمه إلا أن يُجَرِّد اللفظة الغريبة من زوائدها، أو يردَّ لها الحرف المحذوف الأصلي، ثم يمضي في الوصول إلى الحرف الأول منها فالثاني، فالثالث، وَفْقَ ترتيب الحروف الهجائية المعهود: أ، ب، ت، ث. وقد رافق هذا الاختيار معالم كثيرة لتيسير تناوُل معجمه، كما سيتبين لنا في تفصيل منهجه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير