ويرى الدكتور حسين نصار () في دراسته حركة التأليف في صناعة المعاجم العربية من خلال مدرسة الحرف الهجائي الأول أنَّ معجم"أساس البلاغة"للزمخشري له فضل السبق إلى هذه الطريقة"، وكان ذلك للمرة الأولى في تاريخ المعاجم العربية العامة، وإن سبَقَتْه رسائل صغيرة"، ويزهو الزمخشري في مقدمة"أساس البلاغة"باهتدائه إلى هذا الترتيب فيقول ():"وقد رُتِّب الكتابُ على أشهر ترتيبٍ مُتَداوَلاً، وأسهلهِ متَناوَلاً، يَهْجُم فيه الطالب على طَلِبَتِه، موضوعة على طرف الثُّمام () وحَبْلِ الذِّراع، من غير أن يحتاج في التنقير عنها إلى الإيجاف والإيضاع ()، وإلى النظر فيما لايُوصَل إلا بإعمال الفكر إليه". ولكن لا يفوتُنا أن نشير إلى أنَّ الهروي (ت:401ه) في "الغريبين" () أسبق من الزمخشري (ت: 538ه) في"أساس البلاغة"، و إن كان اتجاه المصنِّفَيْن مختلفاً، فالهروي يضع معجماً في غريب الحديث، والزمخشري يضع معجماً لمفردات اللغة، ذلك أنَّ حقل التصنيف اللغوي يستوعب الاتجاهين معاً.
يبدأ معجم ابن الأثير بحرف الهمزة، ويندرج تحته عنوان بارز:"باب الهمزة مع الباء"، وتحت هذا العنوان مادة أَبب، ثم مادة أبد، ثم مادة أبر، فمادة أبس، فمادة أَبض، وهكذا تبقى، ويراعي ترتيب الأوائل فالثواني فالثوالث داخل المادة الواحدة إن تَوافَرَتْ معها مادة من الأحاديث تُوَفَِّي ذلك.
2 ـ دأب ابن الأثير على أن يكتفي بشرح اللفظة الغريبة التي تدخل في المادة اللغوية التي عقدها، فإن ورد غريبان أو أكثر في الحديث نفسه اكتفى بغريب الباب، وإن أراد المُراجِع معرفة باقي غريب الحديث الذي أورده فَلْيتتبَّعْ مَظانَّه في سائر المواد وَفْقَ حرفه الهجائي:
ففي حديث أُصَيْل الخزاعي () حين قَدِم عليه المدينة قال له: كيف تَرَكْتَ مكة؟ قال: تركتُها وقد أحْجَنَ ثُمامُها، وأَعْذَق إذخِرُها، وأَمْشَرَ سَلَمُها. فقال:"إيهاً أُصَيْلُ، دعِ القلوبَ تَقِرُّ"فقد اختار من نص الحديث لفظة"إيه"لأنها هي المَعْنِيَّة في ترتيب المواد وفق حروف المعاجم، فيشرحها بقوله:"أي: كُفَّ واسكت، ثم يُوَزِّع الألفاظ الغريبة في هذا الحديث على الحروف الهجائية المختلفة. وفي حديث صلاة الأوَّابين () "حين تَرْمَضُ الفِصال"شرح لفظة"الأوَّابين"وأحجم عن شرح"تَرْمَضُ الفِصال".
وفي حديث سليمان ():"احشروا الطير إلا الشَّنقاءَ والرَّنقاء والبُلَتَ"، شرح"البُلَتَ"بقوله:"طائر مُحْرِق الريش"، ولم يشرح الباقي.
بيد أنَّ ابن الأثير في أحيان نادرة يضطر إلى شرح ألفاظ الحديث مجتمعةً"فإنَّه إذا فُرِّقَ لا يكاد يُفهم الغرض منه"وذلك كما في الحديث ():"وإنَّ ممَّا يُنْبِتُ الربيعُ ما يَقْتُلُ حَبَطاً أو يُلِمُّ، إلا آكلة الخَضِر فإنها أكلَتْ، حتى إذا امتدَّتْ خاصِرتاها استقبلَتْ عينَ الشمسِ فثَلَطَتْ وبالَتْ ثم رَتَعَتْ .... ".
وفي حديث الكوثر ():"طِينُه المِسْكُ، ورَضْراضُه التُّوم"يقول:"الرَّضْراض: الحصى الصِّغار، والتُّوم: الدُّرُّ".
3 ـ وقد يرى أحد علماء الغريب رأياً في جذر لفظةٍ من ألفاظ الغريب، فيورد ابن الأثير المادة اللغوية وَفْقَ مذهب من يخالفه، وَيُعَقِّب على ذلك بما يراه من وجهته صحيحاً. فقد أورد حديث حذيفة () "لَتَبْتَلُنَّ لها إماماً"أي: لَتَخْتارُنَّ"
ثم قال:"هكذا أورده الهرويُّ في هذا الحرف، وجعل أصله من الابتلاء: الاختبار، وغيرُه ذكره في الباء والتاء واللام، وكأنه أشبه".
وقد يكون لِلَفْظِ الغريب روايتان أو أكثر، فيحرص ابن الأثير على ذِكْرِ هذه الروايات مكررةً بحسب مواردها اللغوية، بناءً على أنَّ المُراجِع قد يستحضر روايةً معينة، ولا يستحضر غيرها، فيعود إلى موضعها ليجدَها. فقوله صلى الله عليه وسلم ():"أعوذ بك من الحَوْر بعد الكَوْن"شرحه في مادة (كون) ثم قال:"ويروى بالراء: الكَوْر، وقد تقدم" ().
4 ـ ومن الطبيعي أن تَحْظَى بعض المواد اللغوية بغزارة أحاديثها وشواهدها، واختلاف دلالتها واستعمالاتها ومقاصدها، فتجد في المادة اللغوية الواحدة عشرات النصوص من أحاديث الغريب، وذلك من مثل: هود، خلف، ركب، دين، دخل، سمع، وفي مقابل ذلك قد لا يتوافر في بعض المواد أكثر من حديث غريب واحد في المادة من مثل: رصح، رصغ، رتت، رتم، رثأ.
¥