وأورد في مادة (إذْخر) () في باب الهمزة حديث: "إلا الإِذْخِر"، ثم قال: "وهمزتها زائدة، وإنما ذكرناها هاهنا حملاً على ظاهر لفظها". وفي مادة
(ذخر) لم يورد الحديث.
بيدَ أنَّه ذكر لفظة"مأدبة"في مادة (أدب) ()، وفي مادة"مأدبة"من باب الميم لم يذكرها. وفرَّق بين"مزهر"و"مأدبة"، إذ يُورد"مزهر"في الميم ()، مع أنَّ الميم زائدة، ويُوْرِدُ"مأدبة"في الهمزة، مع أنَّ الميم زائدة أيضاً.
وذكر لفظة"تهمة"في مادة (تهم) () مراعاةً للفظها مع أنَّ التاء بدل من الواو، ولم يراع أصلها، وذكر لفظة"تَخِدُ"في مادة (وخد) () مراعاةً لأصلها. ومن هنا نقول: إنَّه وقع اختياره على بعض الكلمات، فَذَكرها وَفْقَ التلفُّظ بها، وأغفل كثيراً غيرَها، فأوردها في مكانها وَفْقَ جذرها.
وهذا التردد يجعل المُراجِع في حيرة من أمره؛ لأنَّه لم يجد ابن الأثير صاحب منهج مطَّرد. وقد لحظ ابن منظور في"اللسان" () هذا الاضطراب في منهج ابن الأثير فقال: "غير أنه لم يضع الكلمات في محلِّها، ولا راعى زائد حروفها من أصلها".
2 ـ وأمَّا المأخذ الثاني: فقد كان من منهجه إيرادُ اسم راوي الحديث من الصحابة أو التابعين في أول ذكره للحديث كأن يقول: "وفي حديث عمر"،"وفي حديث طلحة"، أو يقول: "في حديث الحسن" أو"النخعي" أو"مسروق"، وقد يذكر طرفاً من مناسبة الحديث، كأن يقول: "وفي حديث التراويح" (). أو يقول (): "ومنه حديث صاحب النِّسْعة"، أو يقول (): "في حديث أهلِ البيت"، أو يقول (): "في حديث الخَرْص". ولكنه قد يضرب صفحاً عن هذه الأعلام أو هذه المناسبات، فيذكر الحديث مباشرة دون تَقْدِمة، كأن يقول: "ومنه الحديث"، أو يقول: "وفيه"، أي: وفي هذه المادة، وهو في هذا كله يسير وَفْقَ ما نصَّ عليه في مقدمته ()، في إضافة الحديث إلى مسمّى، أو كونه لا يضيفه إلى أحد. وكنا نُفَضِّل لو أنَّ الإمام ابن الأثير ذكر المصنِّف الذي خرَّج الحديث في مصنَّفه كأصحاب الكتب الستة، فيقول مثلاً: وفي حديث البخاري عن ابن عمر. أو أصحاب كتب السُّنة كعبدالرزاق، وابن أبي شيبة، والطبراني، والدارقطني، فيقول مثلاً: وفي حديث الطبراني عن طلحة.
صحيح أنه من خلال مناقشاته لأصحاب المصنفات قد يذكر أسماء مصنفاتهم واختلاف رواياتهم، ويجيء بأقوالهم منسوبةً إليهم، ولكنه كثيراً ما يضرب عن هذا الذكر صفحاً، وفي هذا الإغفال لاسم مُخَرِّج الحديث بعض العنت على المراجِع الذي يودُّ الاطلاع على رواية نصِّ الحديث كاملاً في مظانه، ولاسيما أنَّ منهج ابن الأثير أنَّه يكتفي بذكر قطعة من الحديث، وهي التي تحوي لفظة الغريب الذي يشرحه.
ويتأكد ذلك إذا علمنا أنَّ نصَّ الحديث الذي يُورِده قد يكون فيه ضمير يعود على لفظ متقدِّم من الحديث لم يُورِده ابنُ الأثير. من مثل:
-لأكوننَّ فيها مثل الجَمَل الرَّداح. ()
- كأنَّه الرِّئْبال الهَصُور ().
إنَّ ذِكْرَ مُخَرِّج الحديث يُيَسِّر على المراجِع الوصول إلى نصه في الكتاب الأصل. صحيح أنَّ إضافة اسم الصحابي أو التابعي أحياناً فيها طَرَفٌ من الإضاءة والعون، ولكن فائدة ذلك محدودة، لا تساعد كثيراً في الوصول إلى نصِّ الحديث كاملاً، في المصنفات الكبيرة، وكنَّا نأمل أن يكون ابن الأثير قد وحَّد طريقته في جميع الأحاديث التي يُوردها، فيذكر اسم راوي الحديث؛ من الصحابة أو التابعين مع ذِكْرِه لمخرِّجه، ولا يميّز بين بعض الأحاديث وبعضها الآخر، فيذكر أحياناً، ويغفل أحياناً، بحجة أنه أبرأ الذمَّة في المقدمة وأشار إلى طريقته.
3 ـ وأمَّا المأخذ الثالث: فقد اجتهد ابنُ الأثير في حصر رواياتِ غريب الحديث الواحد، وشرح ألفاظها، في ضوء اختلافات الروايات، وقد يَسَّر على المُراجِع بذكر الروايات وَفْقَ الترتيب الهجائي. فكان يذكر الحديث الواحد أكثر من مرة، حسب اختلاف المحدِّثين في نصه، وقد تتبَّعتُ هذه الإحالات فوجدتهُ قد وَفَّى بها، فكان يُعيد ذكر الحديث. ويبدو أنَّه اتَّبع نظام البطاقات، الذي نسير عليه اليوم في بحوثنا، وذلك لضمان حَصْرِ هذا القدر الضخم من الأحاديث، التي تَصَدَّى لغريبها من ناحية، وللروايات المتعددة لكثير منها.
¥