تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

5 ـ قد تطمع علوم اللغة والبلاغة، في الوصول إلى نصوص فصيحة، من نصوص الحديث والأثر، تتضمن استعمالات متفرعة وفيرة لكثير من تطبيقاتها المطلوبة على قواعدها النظرية؛ إذ يقف من يراجع في كتاب"النهاية"على أوجه استعمال أدوات العربية، وكثير من التطبيقات الإعرابية والبلاغية، والوصول إلى قواعد كلية في فقه اللغة، والتطور الدلالي لكثير من ألفاظها، وقد كان ابن الأثير يُعنى بالأصل الدلالي للاستعمال اللغوي قبل أن يتَّسع في المعاني الحضارية المتجددة، ويعلل التسمية التي أُطلقت على المفردات اللغوية، وقد ضرَبْنا على ذلك أمثلة، في الفصل الخاص بأوجه عنايته بالغريب.

6 ـ كتاب"النهاية"صورة حيَّة للجوانب العلمية والمنهجية لدى ابن الأثير، فلا يستغني عن هذا الكتاب من أراد دراسة هذا العَلَم في علوم الحديث واللغة ومناهج البحث، والدراسات المعجمية التاريخية. وتمر بنا في الكتاب ردود غزيرة، وأوجهٌ من النقد والترجيح، وتقويم لمسائل متعددة تتصل بعلوم مختلفة. ومن هنا كان كتاب "النهاية"مورداً ثرّاً لكل من أراد الوقوف على شخصية ابن الأثير العلمية، في جوانب الحديث الشريف، وفقه اللغة العربية.

7 ـ وتأتي أخيراً أهمية الكتاب في كونه يمثل مدرسة معجمية مهمّة، في تاريخ التأليف المعجمي عند علماء اللغة، وهي مدرسة الترتيب الهجائي، وَفْقَ الحرف الأول. وقد سبقته مدارس متعددة قبله، فيأتي كتاب "النهاية"ليمثِّل حلقة من سلسلة منتظمة، اجتهدت في جمع التراث اللغوي وَفْقَ منهج معيّن، يستدرك الصعوبات التي تكتنف سائر المناهج الأخرى.

****************

المبحث الخامس: "مآخذ على ابن الأثير"

1 ـ كان منهج صاحب"النهاية"في ترتيبه الهجائي الذي اختاره: أن يُورد كثيراً من ألفاظ الغريب وَفْقَ لفظِها المنطوقِ به، وليس وَفْقَ منهج أصحاب المعاجم: في تجريد الكلمة من الأحرف الزائدة، وإيرادها وَفْقَ جذرها الثلاثي، أو الرباعي. وحجته في ذلك كما يقول (): "وإنما أَوْرَدْنَاها هاهنا حملاً على ظاهر لفظها". ويقول (): "إلا أني وجدت في الحديث كلماتٍ كثيرة، في أوائلها حروف زائدة، قد بُنِيت الكلمة عليها حتى صارت من نفسها، وكان يلتبس موضعها الأصلي على طالبها، لاسيما وأكثر طلبة غريب الحديث لا يكادون يُفَرِّقون بين الأصلي والزائد، فرأيت أن أُثبتها في باب الحرف الذي هو في أولها وإن لم يكن أصلياً، ونَبَّهْتُ عند ذكرِه، لئلا يراها أحدٌ في غير بابها، فيظن أني وضَعْتُها فيه للجهل بها".

وفي هذا المنهج نظر لا يخفى على أرباب الفن، لأنَّ الأصل في الترتيب الهجائي، لدى مصنف المعجم أن يكون مراعياً لجَذْرِ الكلمة، وتجريدِها من حروف الزيادة، فلا تَرِدُ اللفظةُ إلا في موضعها الصحيح، بغضِّ النظر عن لفظها، وينبغي أن يكون لذلك اطِّرادٌ وعنايةٌ دقيقة، وذلك للوصول إلى طريقة واحدة، يتمُّ من خلالِها معالجة جميع المفردات اللغوية، الواردة في المعجم.

نعم، قد يجوز له أن يذكر الكلمة حسب لفظها، مراعاةً -كما يرى - لمن ليس له معرفةٌ بالتمييز بين الحروف الزائدة والأصلية للكلمة المنشودة، ولكنه لا يتحدَّث عنها بشيءٍ، وإنما يأخذ بنظام الإحالة على موضعها الصحيح اللازم وَفْقَ قواعد الصرف في المجرد والمزيد والحذف. أمَّا ابن الأثير فقد اختار بعض كلماتٍ، وذكرها وَفْقَ لفظها، لا وَفْقَ جذرها، ولم يُعِدْ ذِكْرَها في موضعها الصحيح، ولو أراد التيسير على طلبة الغريب، لعَمَدَ إلى منهج مُطَّرد؛ لأنَّ المُراجِع على طريقة ابن الأثير لا يدري: هل المؤلفُ يراعي اللفظ أو الجذر فيما ينشده من غريب؟ وقد يلزمه أن يعود إلى مادتين، وفي ذلك هدرٌ للوقت، وضربٌ من الاضطراب، وقد لا يكون قد قرأ مقدمته، فيظنُّ أنَّه قد أغفل هذا الغريب المنشود، لأنَّه لم يجده وَفْقَ ما يفترضه. ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة:

أورد في مادة (أبرد) () في باب الهمزة، حديث: "إنَّ البطيخ يقلَعُ الإبْرِدَة"، وشرحها، ثم قال: "وهمزتها زائدة، وإنما أوردناها هاهنا حملاً على ظاهر لفظها". وفي مادة (برد) لم يُورد هذا الحديث، ولم يُشر إلى شيءٍ منه.

وأورد في مادة (أجدل) () في باب الهمزة حديث: "يهوي هُوِيَّ الأجادل"، وشرحها ثم قال: "والهمزة فيه زائدة". وفي مادة (جدل) لم يُورد الحديث.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير