الأولى: أن الأصل الذي ذكرته أصل معتمد عند الصحابة و لكن بشرط وجد المعارض أي لا بد أن يكون عند الصحابي ما يعارض ما نقل سواء كان هذا الفهم للتعارض صحيح أم خاطئ و من أدلته:
الأول: قوله عائشه رضي الله عنها الذي ذكرته و هو عند البخاري قالت عن عائشة قالت بئسما عدلتمونا بالحمار والكلب لقد رأيت رسول الله يصلي وأنا معترضة بين يديه فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها إلي ثم يسجد) و ليس المراد هنا مناقشة هذه الأدلة و صحة الإعتراض و لكن بيان أن هذا الأصل معتمد عند الصحابة رضوان الله عليهم.
و في هذا الحديث فائدة تؤيد تصحيح مسلم لحديث أبي ذر و أبي هريرة و هي أن كان معلوما عند عائشه رضي الله عنها أن هناك حديث يجمع بين المرأة و الكلب و الحمار و لكن هذا الحديث عارضته بحديث آخر من فعل النبي صلى الله عليه و سلم.
أو يقال بأن هناك قول انتشر في عصر الصديقة رضي الله عنها بالجمع بين المرأة و الكلب و الحمار في قطع الصلاة و إن كان الأقرب ورود حديث يجمعهم في قطع الصلاة لنقل مسلم هذه الحاديث و تصحيحها.
و عند البخاري بلفظ عن مسروق، عن عائشة، أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة، فقالوا: يقطعها الكلب والحمار والمرأة، قالت: لقد جعلتمونا كلابا، " لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وإني لبينه وبين القبلة، وأنا مضطجعة على السرير، فتكون لي الحاجة، فأكره أن أستقبله، فأنسل انسلالا ".
فالملاحظ من اللفظ الذ ذكر عند عائشه هو عينه لفظ حديث مسلم من حديث أبي ذر و أبو هريرة و عبد الله بن مغفل و ابن عباس عند أبي داود فمن المستبعد أن يذكر هذا اللفظ عند عائشه رضي الله عنها ثم ينقل حديثا مرفوعا عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا و المراد بما نقل عند عائشه رضي الله عنها هو عينه الحديث الذي نقله مسلم و غيره عند عدة من الصحابة رضي الله عنها كما سبق.
فدل على أن الصحابه رضوان الله عليهم متى ما وجد عندهم المعارض لحديث آخر ظنوا أن هناك تعارض بينهما خطأوا فهم ناقل الحديث و ردوا المعنى المعارض لما نقلوه.
الدليل الثاني: عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية _ وهم عنده في وفد من قريش _ أن عبد الله ابن عمرو يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين).
فانظر كيف رد معاويه رضي الله عنه نسبة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص للنبي صلى الله عليه و سلم لما ظن أن هناك تعارضا بينه و بين ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم.
الدليل الثالث: عن أبي إسحق قال كنت في المسجد الجامع مع الأسود فقال أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري أحفظت ذلك أم لا) و هذا الأثر أخرجه أبو داود و صححه الألباني رحمه الله فعارض عمر رضي الله عنه حديث فاطمة بنت قيس بقوله تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) (الطلاق: 6)
و قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) (الطلاق: 1).
¥