ومن الأمور الجديرة بالذكر أن قول ابن حجر بأن سكوت النسائي عن الحديث يقتضي أن الحديث لا علة له عنده يشمل كتابي السنن الكبرى والصغرى، وقد توسع النسائي في شرح العلل في الكبرى وخاصة في كتابي (عمل اليوم والليل وعشرة النساء)، حتى عده بعض أهل العلم من كتب العلل، وهو، لا يصرح بتعليلاته، وإنما يسوق الروايات بقصد تعليل الأخبار، فيعلل بسرد الروايات.
مسألة: أسانيد النسائي رحمه الله:
أسانيد النسائي بشكل عام، أسانيد عالية، فقد روى عن قتيبة بن سعيد وأبي داود وابن راهويه ومحمد بن بشار، وهذا راجع لتبكيره بالسماع، ومن الملاحظات المهمة في سنن النسائي، أنه لا يوجد فيها أي حديث ثلاثي الإسناد، وأعلى أسانيدها رباعي، وربما كان هذا ناتجا من شدة تحريه، حتى أنه ترك حديث ابن لهيعة من طريق قتيبة، وهي طريق عالية، كما نبه إلى ذلك الدارقطني، والأحاديث النازلة عند النسائي رحمه الله هي الأحاديث العشارية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، حديث أبي أيوب رضي الله عنه في فضل قراءة سورة الصمد، حيث قال عنه النسائي رحمه الله: لا أعرف في الدنيا إسنادا أطول من هذا الإسناد، والسبب أن في سنده 6 أو 7 من التابعين، يروونه عن بعضهم البعض.
مسألة: سماع النسائي من البخاري رحمه الله:
اختلف العلماء، كما يقول الشيخ سعد الحميد حفظه الله، في هذه المسألة على قولين:
¨ أنه لم يسمع من البخاري، كما ذهب إلى ذلك المزي رحمه الله، حيث قال بأن رواية النسائي عن محمد بن إسماعيل (البخاري)، هو تصرف من بعض الرواة.
¨ أنه سمع منه، وهذا رأي السخاوي رحمه الله.
مسألة: روايات سنن النسائي رحمه الله:
أبرزها رواية ابن سيار ورواية ابن الأحمر، وهما أندلسيان.
مسألة: تقسيم ابن طاهر المقدسي رحمه الله لأحاديث سنن النسائي:
¨ أحاديث مخرجة في الصحيحين، وهي الأكثر.
¨ أحاديث على شرط الشيخين، ولم يخرجاها.
¨ أحاديث معللة خرجها النسائي، وبين عللها، بطريقة يفهمها أهل الصنعة، كقوله على سبيل المثال: ذكر اختلاف الناقلين لهذا الخبر عن فلان، ويكون هذا الراوي هو الذي تدور عليه أسانيد الحديث.
مسألة: هل السنن الصغرى من انتخاب النسائي رحمه الله؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، وقد سبق ذكر طرف من هذا الخلاف، عند الكلام على صحة أحاديث سنن النسائي، ونعرض هنا لهذه المسألة بالتفصيل، إن شاء الله:
فقد ذهب الحافظ الذهبي إلى أن المجتبى هو ما انتخبه ابن السني (تلميذ النسائي) من السنن الكبرى، ووافقه على هذا الرأي ابن ناصر الدين الدمشقي، وظاهر صنيع المنذري في شرحه لسنن أبي داود، والمزي في تحفة الأشراف وتهذيب الكمال، يؤيد هذا الرأي، فالمنذري إذا عزا حديثا للنسائي فإنه يعزوه للكبرى، والمزي، خرج أحاديث الكبرى في التحفة، وعندما تكلم على رجال النسائي في تهذيب الكمال، تكلم على رجال الكبرى، وهذا بمفهومه يدل على أنهما يريان أن الكبرى هي سنن النسائي التي صنفها، بينما الصغرى هي انتخاب ابن السني، وأما ابن الأثير وابن كثير والعراقي والسخاوي فاعتمدوا في تأييد هذا الرأي على حكاية فيها أن أمير الرملة طلب من النسائي انتخاب الصحيح من الكبرى، وهي حكاية منقطعة لاتصح، وواقع المجتبى يؤيد عدم صحتها، ففيه أحاديث ضعيفة، ومعللة، ومنكرة، فكيف يطلب منه انتخاب الصحيح، ومع ذلك ينتخب أحاديث كثيرة معلولة ضمن المجتبى، بل إن بعض أحاديثه، أعلها بنفسه، فعلى سبيل المثال:
نجد النسائي حكم على رجال بأنهم متروكون، ومع ذلك خرجت أحاديثهم في المجتبى، منهم: أيوب بن سويد الرملي، وسليمان بن أرقم وإسماعيل بن مسلم وعبد الله بن جعفر، وخرج أيضا في الصغرى لمصعب بن شيبة، وقد قال فيه: منكر الحديث، وخرج لأبي ميمون، وقد قال فيه: لا أعرفه، وعلى الجانب الآخر نجد أحاديث صحيحة في الكبرى لم ينتخبها النسائي في المجتبى، وهذا عكس المقصود من حكاية أمير الرملة.
¥