تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الأدلة التي استدل بها من قال بأن النسائي هو مصنف المجتبى، هو أنها جاءت من رواية ابن السني عن النسائي، والرد على ذلك، أننا نجد كثيرا من الكتب الحديثية التي لها أكثر من رواية، يحصل في رواياتها اختلاف بالزيادة أو النقص، ومن أبرز الأمثلة على ذلك روايات موطأ مالك، كرواية يحيى بن يحيى الليثي، ومحمد بن الحسن الشيباني، وغيرها، وهذا الأمر ينطبق أيضا على السنن الكبرى، ففي كل رواية لها ما ليس في الأخرى، بل قد يصل الأمر إلى زيادة رواية على الأخرى كتبا بأكملها، وممن أشار إلى هذا المزي رحمه الله في تحفة الأشراف، حيث يعزو الحديث الذي يذكره من سنن النسائي في التحفة إلى الرواية التي خرجت هذا الحديث، فيقول على سبيل المثال: هذا من رواية ابن الأحمر، وهذا من رواية ابن سيار، وهكذا، وعليه، فليس يبعد أن المجتبى هو أحد روايات الكبرى، ترك فيها ابن السني رواية تلك الأحاديث والأبواب المحذوفة، أو أنه انتخبها بنفسه.

وهناك ملاحظة مهمة جدا، وهي أن الإجتباء ليس على قاعدة منضبطة، فقد حذفت من المجتبى كتب بأكملها، كالتفسير وفضائل القرآن وفضائل علي وفضائل الصحابة، رغم أن فيها أحاديث كثيرة صحيحة، بل ومخرجة في الصحيحين، فكيف يتركها النسائي، وعلى الجانب الآخر نجد في المجتبى كتبا بأكملها ليست الكبرى، كالصلح والإيمان وشرائعه، وكذا نجد في المجتبى زيادات متون وأسانيد وتراجم أبواب (كباب النهي عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة)، واستنباطات فقهية، ليست في الكبرى، وهذا مما يؤيد أن المجتبى هو أحد روايات الكبرى.

والنسائي من المتشددين في الجرح، فلا يخرج لمن اجتمع النقاد على ترك حديثه، حيث قال: بأنه بأنه لا يترك حديث الرجل حتى يجمع أهل بلده على ترك حديثه، وهذا من المواضع التي تظهر فيها أهمية مسألة بلدية الراوي، وقد يخرج لمن اختلف في حاله، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: تخريجه لحديث جابر رضي الله عنه، في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم عليا في موسم الحج من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم، وهو مختلف في حاله، وقد أشار النسائي رحمه الله لهذا الإختلاف بقوله: وابن خيثم ليس بالقوي في الحديث، ولم يتركه ابن مهدي ويحيى بن سعيد القطان، وقال ابن المديني رحمه الله: منكر الحديث، وكأن ابن المديني خلق للحديث. اهـ، فهذا راو مختلف في حاله، ومع ذلك خرج له النسائي، والراجح أنه صدوق حسن الحديث، وقد يتركه كما ترك ابن لهيعة رغم أن حديث ابن لهيعة كان عنده من طريق قتيبة بن سعيد التي أثنى الإمام أحمد عليها، وهذا يدل على شدة تحريه، وقد أثنى العلماء كأبي طالب أحمد بن نصر الحافظ على صنيعه هذا، حيث قال: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟! عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة يعني عن قتيبة عن ابن لهيعة، قال: فما حدث بها.

والنسائي شديد التحري في ذكر طريقة تحمله للحديث، فعلى سبيل المثال، عندما منعه الحارث بن مسكين من حضور مجلسه لما أتاه في زي أنكره، وكان الحارث خائفا من أمور تتعلق بالسلطان، فخاف أن يكون عينا عليه، فمنعه، وقيل بأن الخلاف بينهما هو خلاف بين الأقران، فكان النسائي يقعد خلف الباب ويسمع حديث الحارث ومع ذلك لم يستجز أن يقول حدثنا، وإنما قال: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، كما ذكر ذلك ابن الأثير في أول جامع الأصول.

وأما بالنسبة للنسائي فقد وصف ببعض التشيع، وهذا لايضره في شيء، (وسيأتي الكلام على ذلك بالتفصيل عند الكلام على الحاكم)، وقد قيل بأنه تعمد إظهار هذا التشيع أمام أهل الشام لما رأى منهم ميلا عن أهل البيت رضوان الله عليهم، وكان هذا من أسباب تأليفه لكتاب (خصائص علي)، فلما أنكر عليه تركه لفضائل الشيخين رضي الله عنهما، ألف في فضائل الصحابة، ولم يخرج في فضائل معاوية رضي الله عنه شيئا، لأنه لم يصح عنده فيها شيء على شرطه، وكان هذا سبب منع أحمد بن صالح النسائي من حضور مجلسه، ولذا لم يقبل العلماء كلام النسائي في أحمد بن صالح لما وقع بينهما من الخصومة نتيجة ذلك، وقيل بأن أحمد بن صالح رحمه الله كان عسر الرواية، لا يسمح لأحد بحضور مجلسه، إلا إذا أتى برجلين يزكيانه، فترك النسائي الرواية عنه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير